منذ إعلان الرئيس أوباما استراتيجية الحرب على «داعش»، وقيادته تحالفاً دولياً لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم الإرهابي، برز العديد من الثغرات والثقوب في تلك الاستراتيجية، التي ارتكزت في أحد أركانها على مشاركة دول المنطقة للتأكيد على أن التحالف الإقليمي بقيادة دول سُنية يشارك ضد التنظيم المتطرف، مع اشتراط ألا يكون لإيران التي ساهمت سياساتها ومشروعها، عبر حلفائها، في خلق مناخ طائفي بالوقوف في خندق واحد مع نظام الأسد ضد شعبه، وبتشجيع طائفية نظام المالكي الذي عمل -بترتيبات بين طهران وواشنطن- على استبعاد المكون السُّني في العراق، بل حاربه بكل الطرق. وهذه السياسات الطائفية الإيرانية، والصمت والتواطؤ الأميركي من إدارة أوباما المهووسة بالتوصل لاتفاق نووي مع طهران ولو على حساب مصالح وأمن حلفاء واشنطن الإقليميين، فاقم خطر «داعش» في المنطقة، وخلق بيئة حاضنة له، انطلاقاً من سوريا والعراق، تحت مشروع استخباراتي يضع المجتمع الدولي أمام خيار بقاء الأسد ضعيفاً منهكاً مجرداً من السلاح الكيماوي، أو تنظيم يقطع الرؤوس ويحرق الأسرى أحياء. ومرة أخرى نحصد في المنطقة نتائج تداعيات وعدم حسم الحرب المسعورة في سوريا التي دخلت عامها الرابع، وقبل ذلك احتلال أميركا للعراق، ونستمر في تسديد فواتير التخبط والأخطاء الأميركية المتراكمة. وكان هدف «داعش» من حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً في عمل بشع، استفزاز واستدراج الأردن لمواجهة مفتوحة مع التنظيم. وهدف «داعش» الثاني إحداث تصدع في التحالف الدولي الذي يحاربه بلا هوادة منذ صيف 2014! وقد رد الأردن بإعدام المدانين بأعمال إرهابية، ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي، وتعهد بتصعيد الحرب على «داعش» ودك مواقعه بلا هوادة، بعد أن أوقفت عمّان مشاركتها في العمليات العسكرية ضد مواقع التنظيم إثر إسقاط طائرة الكساسبة في ديسمبر الماضي، وقد استأنفها عقب إعدام الطيار حرقاً، ما أثار غضب وصدمة الجميع لهمجية وبربرية تصرف «داعش» الوحشي. وأتى الرد الأردني، كما وعد الملك عبدالله والقيادات العسكرية الأردنية، قوياً ومزلزلاً. وقد علّق وزير الخارجية الأردني بأن ذلك «ليس سوى بداية الانتقام لقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة.. وسيلاحق الأردن التنظيم أينما كان وبكل ما أوتي من قوة». كما أبدت دول مجلس التعاون الخليجي، تحفظات واضحة على الطريقة التي تدار بها الحرب على «داعش». وكان ملفتاً تأكيد وسائل إعلام خليجية على أنه لا يمكن الانتصار على «داعش» إلا بتمكين المكون السني في الأنبار. هذا التحفظ يرتكز على سببين: الاستياء من عدم التزام التحالف بوعده في دعم السنة في الأنبار وعدم تجهيزهم وتهيئتهم وتسليحهم للمشاركة في الحرب ضد «داعش»، وعدم توفير الحماية الكافية لجميع الطيارين. ويبدو أن واشنطن بدأت تستجيب لهذه التحفظات. إن إسقاط طائرة الشهيد الكساسبة، والتحفظ الخليجي على السياسة الأميركية يُسلطان الضوء مجدداً على نجاعة استراتيجية الحرب ضد «داعش»، الذي أرادت إدارة أوباما منذ البداية إشراك أطراف إقليمية أخرى فيها! لكن دول الخليج اشترطت عدم مشاركة إيران في الحرب على «داعش»، بينما وضعت تركيا شروطاً معقدة لمشاركتها في الحملة العسكرية. لكن من الواضح اليوم أن واشنطن تنسق مع طهران. وهناك مستشارون أميركيون وإيرانيون على الأرض في العراق، وحتى عناصر من فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني لعبوا دوراً في مواجهة «داعش». وكان ملفتاً في شهادة آشتون كارتر، مرشح الرئيس أوباما لمنصب وزير الدفاع في جلسة استجوابه، تأكيده أن مواجهة «داعش» ستكون على رأس الأولويات وليس هزيمة بشار الأسد! ونؤكد هنا على وجود تنسيق أميركي إيراني، ونشير إلى رسالة أوباما السرية للمرشد الإيراني خامنئي حول «المصالح المشتركة» بين واشنطن وطهران، وإلى التلكؤ الأميركي في تسليح المكون السني العراقي، وعدم توفير إجراءات الأمن والسلامة للطيارين.. لنخلص إلى أن بقاء الأوضاع دون تعديل سيؤثر على مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في التحالف. كما أن إبداء التحفظ ووضع النقاط على الحروف سيكون إشارة قوية لواشنطن لدفعها نحو إعادة النظر في استراتيجيتها وسد الثغرات فيها، بما يضمن نجاحها ويخدم مصالح جميع الأطراف المعنية!