قبل بضعة أسابيع، أدلى حاكم لويزيانا «بوبي جيندال»، بخطاب أمام جمعية هنري جاكسون في لندن، ينصب على المخاطر التي يمثلها «التطرف الإسلامي» على «الشعوب المحبة للحرية» في العالم. وبعيداً عن أي مناقشة جادة، لم يتجاوز الخطاب كونه مزيجاً خطيراً من إثارة الشعارات الجوفاء والمغالاة الشوفينية البلهاء. و«جيندال» ليس مجرد خطيب مفوّه مثل سارة بالين أو ميشيل باتشمان. ولأنه خريج جامعة أوكسفورد وطامح للرئاسة الأميركية، من المفترض أنه يفكر في كل تصريحاته. وفي حين زعم «جيندال» أنه يتناول التهديد الذي يمثله «تنظيم داعش وكافة أشكال التطرف الإسلامي»، إلا أنه تمادى في تصريحاته الصاخبة وانتهى به المآل يثير أسئلة حول الإسلام والمسلمين بشكل عام. فعلى سبيل المثال، بعدما أشار في تعليقاته إلى أنه ليست لديه مصلحة في تشويه أي دين، تساءل بشكل غير مباشر قائلاً: كم عدد المسلمين الذين يؤيدون المتطرفين في هذا العالم؟ واستطرد قائلاً: كنت آمل أن يكونوا أقلية صغيرة. ولكن الواضح أن عدداً كبيراً منهم يؤيد المتطرفين! ثم أضاف بعد ذلك أن أي دين يسمح بقتل مخالفيه ويؤيده ليس ديناً على الإطلاق، وإنما حركة إرهابية، مضيفاً: «دعونا نكون صادقين: إن الإسلام لديه مشكلة، وهي مشكلة المسلمين وعليهم أن يتعاملوا معها». ويتمادى «جيندال» مطالباً زعماء المسلمين بإدانة هؤلاء المتطرفين، مشيراً إلى أنهم لو رفضوا ذلك، «فإنهم سيصبحون جزءاً من المشكلة». والأشد خطراً وإثارة للاضطرابات، كانت تحذيرات «جيندال» خروجاً عن نص خطابه بشأن «المسلمين غير المندمجين» الذين ينتقلون إلى الغرب، حيث يستفيدون من «الفرص الكبيرة» التي توفرها الديمقراطية، ويؤسسون «دولتهم داخل الدولة»، و«مناطقهم المغلقة»، التي يفرضون فيها قوانينهم الخاصة. ومثل «بالين» و«باتشمان» من قبله، ليس لاتهامات «جيندال» أساس من الصحة. وتظهر استطلاعات الرأي التي أجريناها أن عنف المتطرفين ليس له سوى تأييد طفيف في أنحاء العالم العربي. ودانت معظم المؤسسات الدينية الإسلامية جماعات العنف المسلحة التي تستخدم الدين في تبرير أفعالها، كما أعلن كثير من الدول العربية والإسلامية الحرب على تنظيم «داعش» وأشكال «التطرف» الأخرى. وإضافة إلى ذلك، تم تفنيد اتهام أن هناك «مناطق محظورة» في الديمقراطيات الغربية مراراً وتكراراً. وعندما ادعى شخص يوصف بأنه «خبير سياحة» ذلك عن «بيرمنجهام» في المملكة المتحدة على قناة «فوكس نيوز»، وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون «الخبير» بأنه «أحمق شديد الحماقة». واعتذرت قناة «فوكس نيوز» ثلاث مرات بسبب هذا التصريح الافترائي. ولكن «جيندال» لم يعتذر! وعقب خطابه في لندن، كرر اتهامه عدداً من المرات، لدرجة أنه أشار إلى أنه لو لم نحذر بشأن «المناطق المحظورة» التي نراها الآن في أوروبا سنرى مثلها في الولايات المتحدة تفرض قوانين الشريعة. وتابع قائلاً: «إن ذلك ليس مقبولاً للأشخاص الذين يرغبون في القدوم لغزونا، فهذه ليست هجرة، وإنما استعمار، وإذا أرادوا أن يكونوا أميركيين، فلا ينبغي أن يأتوا لأميركا». والواقع رغم ذلك أن هناك أميركيين مسلمين داخل الكونجرس، وأحدهم كان مسؤولاً سابقاً في هيئات إنفاذ القانون، ويعمل الآن في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب، ويوجد أيضاً عمداء مدن مسلمون، وأعضاء في مجالس المدن، ونواب في الولايات، وقضاة وقادة في الشرطة، وجميعهم أميركيون يطبقون الدستور الأميركي، وليس الشريعة الإسلامية. وما يقلقني ليس مجرد أخطاء «جيندال» الفجة بشأن مزاعمه وادعاءاته، ولكن المثير للقلق بدرجة أكبر أن تصريحاته تشي بأن الحزب «الجمهوري»، بدلاً من التعلم من محاولات الماضي الفاشلة لاستثمار مخاوف المسلمين، يعتزم زيادة الرهان على هذا الموضوع في انتخابات عام 2016. وفي عام 2008، لم تكن المرشحة لمنصب نائب الرئيس، سارة بالين، موفقة في الإشارة إلى أن باراك أوباما ربما يكون مسلماً، وركزت حملة في الكواليس على محاولة المغالاة في الإشارة إلى اسم المرشح الديمقراطي الأوسط: حسين. ولم يجد ذلك نفعاً، وكذلك لم تنجح معارضة الحزب الجمهوري عام 2010 لمحاولة بناء مركز مجتمعي إسلامي في «مانهاتن». بل دشّن 17 مرشحاً «جمهورياً» للكونجرس حملة إعلانية أطلقوا عليها اسم «مسجد الانتصار» تشير إلى أنه إذا فاز خصومهم، فإنهم سيسهلون استحواذ المسلمين على أميركا. وخسر 15 منهم الانتخابات! ولا يقتصر الأمر على ذلك، فعلى الرغم من حقيقة أنه لا يوجد مسلم في الولايات المتحدة حاول اقتراح تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، إلا أن مشرعين «جمهوريين» في أكثر من عشرين ولاية أميركية حاولوا تمرير قوانين مناهضة للشريعة. وفي كل مرة تفشل جهودهم. رئيس المعهد العربي الأميركي - واشنطن