لم تسهم الزيارة التي قام بها أوباما إلى الهند في تنشيط العلاقات الثنائية فقط، بل أظهرت أيضاً ميلاً أميركياً جديداً في السياسة الخارجية الهندية. ولم يدخر رئيس وزراء الهند «ناريندرا مودي» جهداً لإنجاح زيارة «أوباما» للهند، حيث يعتبر أول رئيس أميركي يحضر احتفالات الهند بـ«عيد الجمهورية». وأظهرت الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام جانباً أكثر خصوصية للمشاركة الثنائية، حيث تجاذب الزعيمان أطراف الحديث وتبادلا النكات وأدليا بحديث مشترك للإذاعة. ومع ذلك، فقط كان وراء هذه النعومة تحولاً واضحاً في موقف الهند تجاه الولايات المتحدة. وعلى عكس الحكومات الهندية السابقة، لم يتردد «مودي» في وصف الولايات المتحدة بالصديق المقرب. ونظراً لآخر بقايا حقبة الحرب الباردة وإيمان الهند بمبادئ عدم الانحياز، آثرت نيودلهي عدم مواءمة نفسها بشكل وثيق مع الولايات المتحدة على الرغم من تحسن العلاقات بين البلدين بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بيد أنه خلال زيارة الرئيس الأميركي، أزالت الهند كل هذه الاعتبارات. وفي نهاية الزيارة، كشفت الدولتان عن إبرامهما لشراكة جديدة في آسيا -المحيط الهادي في محاولة واضحة لمواجهة تأكيد الذات المتزايد من قبل الصين. وتدعم الرؤية الاستراتيجية الأميركية-الهندية المشتركة لمنطقة آسيا - المحيط الهادي والمحيط الهندي، والتي تم الإعلان عنها عقب المباحثات الثنائية، حرية الملاحة في منطقة آسيا – الهادي. وتم الكشف أيضاً عن خطة لتنمية «خريطة طريق» لمساعدة الدولتين على «الاستجابة بشكل أفضل» لـ«التحديات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية» في منطقتي آسيا – المحيط الهادي، والمحيط الهندي، والتي تعتبر أجزاء منهما هي الفناء الخلفي للصين. ومن المتوقع أن يكون لهذه الخطوة صدى لكامل منطقة آسيا- المحيط الهادي، حيث تخشى دول كثيرة من العدوانية المتزايدة للصين، خاصة في بحر الصين الجنوبي، حيث هناك نزاعات إقليمية في هذه المنطقة. وفي حين أن الهند، التي لديها نزاعا حدودياً مع الصين، لا تشارك في هذه المطالب، إلا أنها انضمت للولايات المتحدة أثناء زيارة «أوباما» في وضع الخطوط العريضة لرؤية منطقة آسيا-المحيط الهادي، والتي تتضمن التعاون الوثيق بين الدولتين لتعزيز الأمن والسلام في المنطقة. وبالرغم من أن بيان الرؤية لا يعني أن أيا من الهند أو الولايات المتحدة سيقلصان علاقاتهما مع الصين، إلا أن الشراكة تعد رسالة واضحة لبكين ومحاولة لتأكيد أن الصين تحت الرقابة. وبينما كان رد فعل الصين ينم عن القلق تجاه هذه الشراكة مع مطالبة وسائل الإعلام الرسمية الصينية للهند بتوخي الحذر، رحب «أوباما» بالدور الكبير الذي تلعبه الهند في آسيا-المحيط الهادي وإمكانية أن تصبح نيودلهي وواشنطن «أفضل شركاء». وتعد محاولة «مودي» الواضحة للاتصال بالولايات المتحدة هي الأكثر أهمية، نظراً لأنه ظل لسنوات طويلة ممنوعاً من الحصول على التأشيرة الأميركية بسبب أحداث الشغب بين المسلمين والهندوس عام 2002 في ولاية جوجارات، حيث كان يشغل منصب كبير الوزراء. واتُهِم «مودي» بأنه لم يفعل شيئاً للحد من أعمال الشغب التي راح ضحيتها أكثر من ألفي مسلم. وقد فرضت الولايات المتحدة وأوروبا حظراً على سفر «مودي»، ولم ترفعاه إلا بعد أن أصبح واضحاً أنه سيشغل منصب رئيس الوزراء. ومنذ توليه المنصب في مايو 2014 ، حاول «مودي» مد يده للولايات المتحدة، وقام بزيارة ناجحة إليها في سبتمبر الماضي وتبعها بدعوة «أوباما» لحضور احتفالات الهند بيوم الجمهورية. ورغم ذلك، فقد أثارت هذه الزيارة جدلاً واسعاً عقب تصريحات «أوباما» في مناسبة عامة حول أهمية الحفاظ على حرية المرء في ممارسة شعائر الديانة التي يختارها. وبذلك، يكون «أوباما» قد طرق الجدل الدائر في الهند حول التغيير القسري للدين، خلال التحذير بأن الهند «ستنجح طالما أنها لا تشهد انقسامات على أسس دينية». وقد حاولت الجماعات الهندوسية المتعصبة، التي شجعها صعود حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي إلى سدة الحكم، في الأشهر الأخيرة إعداد برامج لقسر المسلمين والمسيحيين للتحول للديانة الهندوسية. وبينما كشفت الزيارة عن اختلافات بشأن قضايا مثل التغير المناخي وحقوق الإنسان، إلا أنها أظهرت تقارباً في مجالات أخرى عديدة مثل التحرك قدماً لإبرام الاتفاق النووي المدني وتجديد الاتفاق الإطاري للدفاع بين الهند والولايات المتحدة لمدة عشر سنوات، والذي يقضي بتعاون الدولتين في أربعة مشاريع للدفاع. رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي