ربما يثبت قيام جماعة «داعش» بإعدام مواطنين يابانيين بقطع رأسهما بأن ذلك يعد خطأ جيوسياسياً كارثياً، حيث أثارت عمليات القتل هذه حفيظة الشعب الياباني ورئيس وزرائه المتشدد «شينزو آبي». فقد ذكر رئيس الوزراء صراحة «لن نغفر للإرهابيين، وسنعمل جنباً إلى جنب مع المجتمع الدولي لجعلهم يدفعون ثمن خطاياهم». كما تعهدت حكومته بمواصلة وزيادة المساعدات الاقتصادية التي تقدمها للجماعات التي تقاتل تنظيم داعش في سوريا والعراق وأنها الآن، أكثر من أي وقت مضى، أصبحت عدواً لدوداً للتطرف الإسلامي في صوره المختلفة. والآن، تواجه بعض أقوى وأهم الدول الآسيوية ومنها اليابان والصين والهند وإندونيسيا أعمال عنف من مختلف جماعات التطرف الإسلامي التي تقوم بقتل مواطنيها بصورة عشوائية. وإذا أخذنا في الاعتبار أيضاً الإرهاب الإسلامي المتطرف في أوروبا، ومؤخراً في فرنسا، وكذلك في روسيا، فمن الواضح أن التهديد ينتشر في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من ذلك، فما يجب التأكيد عليه هو أن الأعداد الهائلة لضحايا هذا الإرهاب هم من المسلمين في باكستان والعراق وسوريا ومصر ولبنان واليمن وليبيا والصومال. والمزيد من المسلمين يقتلون كل شهر أكثر ممن يقتل في بقية دول العالم مجتمعة. وباستثناء هجمات الحادي عشر من سبتمبر، 2011 في الولايات المتحدة، فإن عمليات القتل الجماعي كانت كلها تقريباً في مناطق الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا. فهل ثمة أمل أن يؤدي الغضب العالمي من مثل هذا السلوك في النهاية إلى زوال جماعة «داعش» وغيرها من الجماعات المتطرفة؟ وبالتأكيد، فإن تحرير بلدة «كوباني» السورية في نهاية شهر يناير على أيدي قوات مناهضة لتنظيم «داعش»، ومعظمها من الأكراد، يعتبر أنباء جيدة. ولكن لم يكن ذلك ممكناً دون المئات من الضربات الجوية التي شنتها قوات التحالف الدولي على أهداف «داعش». والمشكلة هي أن قوات «داعش» قد أصبحت أكثر تطوراً في التعامل مع الضربات الجوية التي تشنها قوات التحالف. ولم تعد هذه القوات تظهر في قوافل طويلة في مناطق مفتوحة، كما أن أماكن تواجدهم في البلدات والمدن التي يحتلونها يتم اخفاؤها بعناية أكبر. من ناحية أخرى، فقد وضعوا قيوداً أكثر صرامة على استخدام الهواتف الخلوية وغيرها من أنظمة الاتصالات المفتوحة مثل أجهزة «اللاب توب». وبعبارة أخرى، أصبح الوصول إليهم أكثر صعوبة. وسيأتي الاختبار الكبير لنقاط القوة لقوات مكافحة «داعش» عند بداية الهجوم الموعود الذي يهدف إلى طرد قوات «داعش» من الموصل. وتعد الموصل ثاني أكبر المدن العراقية وكان سقوطها الصيف الماضي بمثابة هزيمة عسكرية كارثية للجيش العراقي الذي لم يهن فقط لكنه أيضاً تخلى عن الكثير من الأسلحة التي أمدته به الولايات المتحدة، والتي تستخدمها الآن قوات «داعش». وهناك سبب آخر للهزيمة يتمثل في عدم الثقة بصورة أساسية بين المواطنين في الموصل ومعظمهم من السُنة والجيش العراقي الذي كان ينظر إليه باعتباره معادياً. ولهذا السبب، فمن الضروري ألا يتم القيام بهذا الهجوم حتى يتم تطهير الجيش العراقي من المحسوبية، التي عززها رئيس وزراء العراق السابق «نوري المالكي». وينبغي أن تتضمن القوات المنتشرة في الهجوم ضد تنظيم «داعش» في الموصل عناصر عديدة من العرب السُنة من العشائر العراقية الغربية والأكراد، وأن يكون الدور الذي تقوم به إيران والميليشيات الشيعية محدوداً. وسيكون خطأ جسيماً أن ينظر العالم العربي السُني إلى تحرير الموصل كانتصار عظيم للشيعة. وإذا لم يشعر العرب السُنة في العراق أنهم يلعبون دوراً مهماً في مستقبل العراق، فإنهم سيصبحون أقل ميلاً لقتال جماعة «داعش»، وقد يواصلون تقديم الدعم إليهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن الوحشية المطلقة لقوات تنظيم «داعش» وجماعة «بوكوحرام»، نظيرتها في نيجيريا، قد نالت اهتمام العالم، وبينما تظهر المزيد من الأدلة على الأعمال الوحشية التي يرتكبونها وتصبح معروفة للجميع، فإن التحالف الدولي لتدميرها سيعزز قواته، على أمل أن يضم تركيا، التي تعد أقوى دولة مسلمة في منطقة الشرق الأوسط، والتي كانت حتى الآن تتردد في إلزام أصولها العسكرية الهائلة بالحرب.