الجدل الدائر الآن في بعض وسائل الإعلام المصرية حول تخطيط وإدارة سياسة مصر الخارجية ذو أهمية خاصة حتى خارج الحدود المصرية. والمتابع لأجهزة الإعلام المصري واجتماعات الدوائر الحكومية يُلاحظ أن الاهتمام الأكبر يتركز الآن على أهمية المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي يتم الإعداد له منذ عدة شهور. وفي الحقيقة فإن الاهتمام بهذا المؤتمر منطقي، فالاقتصاد المصري ظل في حالة تدهور خلال السنوات الأربع الأخيرة، ومع نقص عدد السياح الأجانب وتدهور بعض المصانع، زادت المشاكل الاقتصادية وتراكمت. ولكن الأسابيع الأخيرة شهدت أيضاً نقاشاً حول موضوع آخر، وثيق الصلة بالمؤتمر الاقتصادي، غير أن هذه الصلة لم يتم التنبه إليها، وأقصد موضوع السياسة الخارجية. فمن المعروف أنه في وضع مصر الحالي، واعتماد جزء كبير من اقتصادها على جذب الاستثمارات والمعونات الخارجية، تصبح سياستها الخارجية أهم وسائل مساعدة هذا الاقتصاد أو -على العكس- زيادة مشكلاته. ولذلك كان الاهتمام بالسياسة الخارجية واضحاً حتى على المستوى العام وعلى أعلى المستويات. فمثلاً في فبراير سنة 2013 تم تنظيم اجتماع محدود في قصر الجمهورية حول الموضوع، وافتتحه رئيس الجمهورية آنذاك -مرسي، وكان خطابه ساذجاً عن السياسة الخارجية وتركيبة النظام العالمي، ولكن المجتمعين كانوا يمثلون نخبة من الخبراء في تحليل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، ومن بينهم بعض أعضاء المجلس العسكري السابقين، وأدار المناقشة باقتدار وزير الخارجية المصري حينئذ محمد كامل عمرو. وعندما ترك عمرو منصبه ليخلفه نبيل فهمي كانت إحدى خطواته تكوين فريق عمل من الخبراء، أكاديميين وإعلاميين، ودبلوماسيين، وكانت هناك أوراق عمل جادة مع تقرير نهائي بواسطة أحد شباب وزارة الخارجية عن تحديات مصر حالياً في هذا المجال. ثم أخيراً في ديسمبر، اختار المجلس المصري للشؤون الخارجية في الذكرى السنوية الخامسة عشرة لتأسيسه موضوع تقييم السياسة الخارجية المصرية وآفاق تطورها. وهذا المجلس يضم نخبة كبيرة من المجتمع، وليس فقط من الدبلوماسيين، كما أن المجلس قام بدعوة بعض الضيوف الأجانب للمشاركة في النقاش وإثراء الحوار. ما الخطوة المقبلة إذن؟ هناك إجماع على أن السياسة الخارجية المصرية، خاصة في الحقبة الحالية، هي من الأهمية بحيث إنه لا يمكن حصرها داخل أروقة الدبلوماسيين، وهناك اتفاق أيضاً على أن السياسة الخارجية لأية دولة وليس مصر فقط، يجب أن تقوم بجرد واستثمار ما يقوله «علم السياسة الخارجية» ونظريات اتخاذ القرار لضمان أكبر قدر من العقلانية في إدارة السياسة الخارجية المصرية، ويجب أن يكون هناك اتفاق على أولويات السياسة الخارجية: هل هي الخليج، أفريقيا وسد النهضة، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الصين؟ ثم كيفية التوفيق بين الأولويات المختلفة وتحديات كل جهة ومرحلة. لأن مصر تعاني مما أسميته المعادلة الصعبة: الطموح للقيام بدور خارجي نشيط، ولكن تواضع الإمكانات للقيام بهذا الدور. وهناك أيضاً توافق على أن نقاش هذا الموضوع المهم والدقيق يجب ألا يبدأ بمؤتمر كبير شبيه بالكرنفال، وذي أهداف ديماجوجية، كما كان الحال مع عدد من مؤتمرات «الحوار الوطني» التي لم تؤدِ إلى نتائج محسوسة، بل تكون البداية مجموعة عمل من خبراء مختلفين، بمن فيهم عسكريون ذوو اختصاص ورجال أعمال، وذلك لوضع جدول أعمال محدد وحتى أبحاث مختصرة من جانب بعض المتخصصين، ويا حبذا لو كانوا من الشباب. هذا النقاش المصري ذو أهمية خاصة ليس فقط بسبب حجم مصر وتحدياتها الحالية، ولكن أيضاً لدول عربية أخرى تمر بمشاكل مماثلة.