مَثَل سعودي من كلمتين «البلاوي تبلي» يُصوِّر العلاقات بين الرياض وواشنطن. فالاهتمام الأميركي الحالي بأمن السعودية لا مثيل له في تاريخ العلاقات الدولية، حيث ضَمّ وفد الرئيس أوباما في زيارته الرياض أربعة مستشارين تعاقبوا على الأمن القومي، ومدير المخابرات «سي آي أي»، وقائد «قوات عمليات الشرق الأوسط»، ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، ووزير الخارجية كيري، إضافة إلى وزيريْ خارجية سابِقَين؛ كوندليزا رايس، وجيمس بيكر، الذي تساءل «هل لدينا مشاكل معهم، بدون أدنى شك لدينا، لكن سنصبح في وضع أفضل بكثير لو تصدَّينا لهذه المشاكل، وكانت علاقتنا بالقوة نفسها، التي كانت عليها عندما كنتُ أتولى المسؤولية». ولم يُفَّرطَ أحدٌ بالعلاقة الأمنية للعرب والأميركيين كأميركيين، مثل بيكر، المشهور بقوله إنه سيعيد العراقيين إلى العصر الحجري، وقد أعادهم والأميركيين؛ وإلاّ من أين جاءت هذه القلوب والعقول الحجرية التي تواصل على جانبي الخنادق شن حروب وأعمال إرهابية تروِّع العالم؟ و«عندما تُحدِّقُ في العَدَم فالعَدَمُ يُحَدِّق فيك»، يقول الفيلسوف الألماني «نيتشه»، وهذا ما تراه الأمة العربية والإسلامية عندما تُحدِّق في عَدَم السياسة الغربية. فلولا الغرب ما عصفت أعاصير «الربيع العربي» بالبحرين، ومصر، وسوريا، وتونس، وليبيا، والعراق. ومبلغ 12 مليار دولار التي قدمتها السعودية لدعم مصر أُنفقت في عام واحد، دون مردود ملموس، حسب «نيويورك تايمز». وإذا حَجَبت عَدَميةُ الأموال رؤية كلفتها فلنتذكر أن مجموع احتياطيات السعودية، حسب «صندوق النقد الدولي» أقل من تريليون دولار، والتريليون ألف مليار فقط. واهتمام الغرب كما هو متوقع ينصّب على الأمير محمد بن نايف، ليس فقط لأنه أول الأمراء الأحفاد في تولي سلطة ملكية عليا، بل أيضاً لأنهم يرون في تعيينه رؤية السعوديين بعيدة المدى للدولة والمنطقة، ويُركزون الاهتمام على «أدائه كوزير للداخلية، مسؤول عن حماية الهياكل الارتكازية للنفط، ومتابعة ملفات السعودية الخارجية مع البحرين، وقطر، وسوريا، والعراق واليمن، وفلسطين»، حسب أكاديميين متخصصين بالشؤون السعودية، بينهم برنارد هيكل، أستاذ «جامعة برنستون» الذي قال عنه «إنه أقوى أمير، وأكثر أشخاص النظام نفوذاً؛ إنه الركيزة». ويهتم الخبراء بالخلفية الأكاديمية لمحمد بن نايف، فهو أول خريج جامعة أميركية يتولى سلطة ملكية عليا في السعودية، إلاّ أنهم يأخذون عليه قلة اهتمامه بالشؤون الاجتماعية. وتختلف هذه الأحكام عما ذكرته الصحافة الأميركية عن حرص سموه على متابعة حاجات عوائل المتورطين في أعمال إرهابية، والمشاركة في عزاء شيعة المنطقة الشرقية، الذين اغتيل أبناؤهم. وقبل عشرين عاماً تابعتُ تأسيس سموه شبكة «الطب الاتصالي»، وأحاديثي معه، ومع علماء الشبكة في الرياض، وبوسطن، ولندن، وعَمّان، منشورة في صحيفة «الحياة» في نوفمبر عام 1994. استبقت المبادرةُ «الإنترنت» في الربط بين تقنيات الطب وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأتاحت للمريض «الحصول على الاستشارة الطبية العالية بأسعار مناسبة من أي مكان في العالم، ووضعت تحت تصرف الطبيب وسائل حضور المؤتمرات العلمية، ومتابعة التطورات في مجال اختصاصه دون مغادرة عيادته». وأمنُ السعودية في المعرفة. فالوزارة الجديدة تضم 30 وزيراً، و19 منهم يحملون شهادات الدكتوراه والهندسة، بينهم محمد بن إبراهيم السويل الذي تولى «وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات»، إضافة إلى عضوية «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية»، وهو مجلس وزراء مصغر يرأسه ابن العاهل السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز. وساهم السويل خلال رئاسته «مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية» في تطوير «الخطط الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار»، وتُسمى باختصار «معرفة» وهدفها «تحويل المعرفة المُطورة في السعودية إلى قيمة اقتصادية». وفي بلدٍ تذكر إحصائيات غير رسمية أن إنتاجية موظفيه الفعلية تقل عن يومين في الأسبوع، يرتكز أمن المعرفة على المتابعة، والتقييم، ومن دونهما لم يكن ممكناً أن تبني خطة «معرفة 1» الهياكل الارتكازية لسلطة المعرفة الصاعدة في السعودية؛ سلطة مبرمجي ومهندسي الكومبيوتر، والأطباء، والمعماريين، والأكاديميين، والباحثين، والمحاسبين القانونيين، والمحامين، والمدرسين، والإعلاميين، والمشايخ، والقضاة، والفقهاء، وجميع الذين لا يملكون سوى قوة معرفتهم، التي هي مصدر رزقهم، وهؤلاء هم القوة الصاعدة في المملكة، تضُّخهم بالآلاف سنوياً 40 جامعة ومعهد عال، ويبلغ عدد طلابها حالياً المليون ومائتي ألف، إضافة إلى نحو 150 ألف مبتعث في الخارج، تَخَّرج منهم حتى الآن 55 ألف.