الأرقام غير دقيقة بشأن أعداد المتطرفين من الأجيال الثالثة أو الرابعة من أبناء المهاجرين المسلمين إلى الغرب، لكن يمكن الاستنتاج من الأرقام المتداولة أنهم يمثلون شريحة ليست بالقليلة، ويمكن أن يطلق عليهم وصف الظاهرة، سواء الذين التحقوا بقطعان الإرهابيين في الشرق الأوسط، أو الذين يمارسون إجرامهم في دولهم، فما الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة بخلاف مسألة التهميش الذي تعانيه الأقليات المسلمة في الغرب؟ هذه بعض الافتراضات التي قد تساعد على تفسير هذه الظاهرة، منها مسألة المغامرة والإثارة الرائجتين في الغرب، خصوصاً أن المغامر هناك يجني الشهرة من وراء مغامراته التي يوثقها بالصوت والصورة والتقارير والكتب، وأحياناً تكون الشهرة غاية بحد ذاتها، ولو في كون المرء ذبّاحاً ينحر البشر أمام الكاميرات. كما أنه لا يمكن استبعاد دور الحاجز اللغوي، فالكثير من هؤلاء لا يتحدثون اللغات المتداولة في البؤر الشرق أوسطية المضطربة، ما يضعف التواصل الإنساني بينهم وبين الضحايا، ومن ثم يسهل عليهم الفتك بهم. وتتفرع من اللغة مسألة جهل هؤلاء بأطنان الردود على أفكار التطرف المدونة باللغة العربية بأقلام علماء وكتّاب وباحثين، لا أعتقد أنها تتوافر كماً وكيفاً باللغات الأوروبية. ويتفرع من هذا كله موضوع حرية التعبير والنشر، إذ يمكن استغلال القوانين الأوروبية لتمرير الأفكار المتطرفة. ويتحدث الكاتب أمير طاهري عن أن الإرهاب أحد الطفيليات التي تتغذى على الديمقراطية، فالإرهابي الغربي آمن على نفسه من عقوبة الإعدام التي ألغيت في أوروبا، كما أنه لا يخشى أن يطال العقاب أفراد أسرته. وأضف إلى ذلك سهولة تنقل المرء بين الدول الأوروبية كأنه في رحلة داخلية، كما أنه لا يلقى صعوبة تذكر عند المرور في الكثير من الدول، كتركيا، ومن ثم يمكن للإرهابي المقيم في السويد مثلاً، من الوصول إلى الحدود السورية خلال يوم واحد. ولا تصطدم أحلام ابن الغرب بدولة الخلافة بشروط الواقع الذي لا يدري عنه شيئاً في الأرض الموعودة في رأسه، فابن هذه المنطقة يعرف أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، إلا إذا كان مخبولاً بطبيعة الحال، ومن ثم يأتي ابن الغرب إلى الشرق وهو ثمل تماماً بالأوهام والأحلام. كما أن العيش في بلد غير إسلامي، يعتقد الجاهل أنه يستحيل ممارسة تدينه فيه، قد يدفعه إلى البحث عن الطريق الآمن والمختصر إلى الجنة، عبر ما يتصوره قتالاً واستشهاداً في سبيل الله. ويبدو أيضاً أن سلطة الأب الغائبة أو الضعيفة تسهل عملية التحاق ابن الغرب بالجماعات الإرهابية، وشتان بين ابن يعيش في بلد تجيز فيه شرائعه وقوانينه وأعرافه لذويه تأديبه ولو بالضرب إذا انحرف عن الطريق القويم، وبين ابن يحتفظ في جيبه برقم هاتف الشرطة للإبلاغ عن ذويه. كما يمكن الإشارة إلى الموقف غير الواضح للدول الأوروبية حيال التطرف، الذي كان يختلط لديها مع ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، خصوصاً قبل ظهور «الدواعش»، مع ملاحظة أن إدانة دولة أوروبية للتطرف الإسلامي لا يؤثر كثيراً في المتطرفين من مواطني تلك الدولة.