في عام 1800، كان الألماني «فون هومبولدت» يعس في غابات الأمازون لمدة خمس سنوات، يجمع فيها غرائب النبات وعجائب الطير، ثم يرجع إلى برلين فيعمل خمسين سنة على تصنيف ما وقع تحت يده في خمس مجلدات؛ فهذه هي «الأسلمة» الفعلية، أي دراسة الوجود كما خلقه الله: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله. ونحن في تعبير «أسلمة» العلوم ننزع إلى خلع «الإيديولوجيا» التي نحملها على الوجود، فنمارس التزوير من أوسع أبوابه. وفكرة «الأسلمة» خدّاعة غير أنها بعيدة عن الصواب. وهي لا تزيد عن تصوراتنا. وفكرة «النسخ الإسلامية» يجب أن تكون نصب أعيننا؛ فهناك إسلام ابن لادن والترابي، وهو طيف يصل إلى حواف التناقض والتضارب والفوضى. وفي كتاب «وجهة العالم الإسلامي» كتب «مالك بن نبي» فصلاً بعنوان «فوضى العالم الإسلامي»، وفي شوارع دمشق تلاحظ ملابس النساء في طيف عجيب من «الملايا الزم» إلى «معاطف المطر» بألوان شتى مثل رتب الضباط في الجيش إلى «الجلباب الأسود» وانتهاء «بالألبسة الفاحشة»، مما يوحي بأن المجتمع مجتمعات، وأن كل امرأة تعيش زمناً مختلفاً من العصر المملوكي أو العثماني أو الشانزيلزيه في باريس. وعندما نختلف تجب العودة إلى الطبيعة، واستنطاق اللغة الأساسية التي كتب بها الكون؛ فهي أصلية وغير مزورة وثابتة ومتكررة. ولن تجد لسنة الله تبديلاً. وهذا المصطلح «أسلمة العلوم» لم يعتمده علماؤنا قديمًا لسبب وجيه أن الكون كله أسلم لله. وكل كشف لحقيقة علمية هي قراءة مختلفة لآية غير قرآنية. وهناك من حاول توظيف القرآن لمصلحة الأيديولوجيا، فزعم أن سرعة الضوء موجودة في القرآن، ولكن الغريب أن هذه الحقيقة لم يقل بها أحد قبل أن يكتشفها «فيزو»، ولم يرجع إلى آية، بل قرأها مباشرة من الكتاب الأصلي «التكويني». وبهذه الطريقة نتخلص من مرض «الانتقائية» التي تذكر بكتاب الجاحظ عن البرص والعرج والعميان. و«صخرة» أو نهر أو شجرة في مكانها أدل على نفسها من كل ما كتب حولها؛ لأنها اللغة الأساسية. وهذا هو السر في أن القرآن أمرنا أن نسير خارج القرآن، فقال: قل سيروا في الأرض. ولم يقل سيروا في القرآن؛ لأن الأرض هي اللغة الأساسية والأصلية ولا يختلف الناس حولها. والقرآن مكتوب بلغة يتصارع الناس حول فهمها ويقتتلون. ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد. والنص ـ أي نص ـ يعمد إلى وصف زاوية معرفية من الصخرة، أما وجودها الأصلي فهو منبع لا ينتهي للحقائق، وذلك من خلال خطوط التماس اللانهائية حولها؛ فيمكن استنطاق الصخرة بحقائق علمية لا نهائية في الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والآركيولوجيا وسواها، بل والتاريخ. والإنسان هو مجموعة مضغوطة من العناصر على شكل «ديسك» كوني، في حقائق تشريحية وفسيولوجية ونفسية واجتماعية وتاريخية وجنسية وثقافية ودينية، ولذلك خلقهم. ويحاول أطباء الصحوة الإسلامية معالجة قصر القامة بلبس بدلة طويلة. وملء خزائن المفلسين بقصص ألف ليلة وليلة، فيعيدوا قصة جرة العسل والراعي، وكيف اندلقت فوق رأسه وهو يحلم بقطيع من الأنعام؟ والإسلام غير المسلمين، وهو ينتشر في العالم بقوة دفع ذاتية. ومن يعتنقه يفكه عن العرب العاجزين. وبغداد اليوم غارقة في النفايات والفوضى، وكانت يوماً موضع قصص السندباد البحري.