أعلنت القوات الكردية في سوريا والعراق أنها بمساعدة ضربات جوية أميركية على مدار ثلاثة أشهر انتزعت السيطرة من داعش على بلدة كوباني أو عين العرب على الحدود السورية التركية. وهذا النجاح لا يغير الحسابات الاستراتيجية الأساسية للحرب ضد الجماعة المتطرفة لأن القتال على كوباني كان رمزياً أكثر منه عسكرياً. ويعلمنا هذا «الانتصار»، إذا صحت التسمية، ثلاثة دروس بشأن الصراع مع «داعش» ومدى تأثره أو عدم تأثره باستخدام القوة. الدرس الأول والأهم، أن الضربات الجوية لا تستطيع وحدها فك سيطرة «داعش»، فالقوات البرية ضرورية قطعاً وعددها الحالي ليس كافياً. ومنذ ظهور «داعش» كقوة إقليمية كان من الواضح أن الولايات المتحدة ستواجهها بقوة جوية كبيرة. فهؤلاء المتشددون يمثلون تحدياً كبيراً لاستقرار المنطقة ويهددون بإفساد أي مكاسب حققها الأميركيون في العراق بعد زيادة قواتهم عام 2007 وانسحابهم التالي. وحتى بغير عمليات قطع الرقاب المستفزة للصحفيين الغربيين والقتل الجماعي للأقليات العرقية والطائفية وسوء معاملة النساء فقد كان من مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية إلحاق الهزيمة بـ«داعش»، وعندما أعلن أوباما بدء القصف في سبتمبر، ربما، لم تكن قيادة الجماعة نفسها تعرف أنها ستصمد أمام القوة الجوية الأميركية. وفشلَ القصف المتواصل منذ ذاك الحين إلى حد كبير في تغيير حدود المنطقة التي يسيطر عليها «داعش». وأهمية القوات البرية يقودنا إلى الدرس الثاني المهم المستفاد من «كوباني»، ألا وهو أن القوات البرية مصدرها الوحيد الأطراف الإقليمية صاحبة المصلحة في دحر «داعش» وإلحاق الهزيمة به. فأكبر مشكلة جيواستراتيجية واجهت قوات الولايات المتحدة في مسعاها لقتال «داعش» هي عدم الاستعداد الواضح من تركيا والسعودية والأردن والعراق لتقديم عدد كبير من القوات البرية.. وانسحاب داعش من «كوباني» يبين أن الجماعة قاتلة لكنها ليست انتحارية. و«داعش» لا تبالي كثيراً فيما يبدو بفقدان صدقيتها أمام أنصارها حول العالم بسبب تقهقرها. وهذه يتسق مع «داعش» ويختلف كثيراً عن «القاعدة»، فبينما كانت «القاعدة» تجنح إلى الاستعراض ومقاومة الغزاة، تستهدف «داعش» إقامة دولة ذات سيادة قادرة على تصريف شؤونها. والدول التي تخوض حروبا تخسر معارك أحياناً بهدف استراتيجي، يمكِّنها من تحقيق انتصارات في المستقبل. والخلاصة أن هزيمة «داعش» تستلزم تقديم قوات برية من حلفاء الولايات المتحدة، أصحاب المصالح الخاصة، وأن الخصم عقلاني ويتبع طريقة استراتيجية في التفكير. واستناداً إلى هاتين النقطين يمكننا استنتاج أن القتال لن ينتهي قريباً. نوح فيلدمان أستاذ القانون الدولي بجامعة هارفارد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»