الإرهاب تطور سريعاً في وسائله وطرقه والجهات التي تتبناه وتدعمه. والمخيف في ذلك هو أن هذا التطور يأخذ أشكالاً ووسائل غير تقليدية، بمعنى أن الإرهابيين يطورون لأنفسهم وسائل لا يمكن تخيلها أو حتى توقعها، كما حدث في 11 سبتمبر في الولايات المتحدة. وهذه المسألة تضع أمامنا تساؤلاً حول كيف يمكن لمن يكافحون الإرهاب أن يتصرفوا بالإضافة إلى كيفية إمكانية منع الإرهاب من الحدوث. وهنا فإن المسألة تتعلق بشكل أكبر بمواجهة الإرهاب ومحاربته بعد حدوثه عوضاً عن منعه من منابعه وجذوره. وجدلياً لولا أن الإرهاب لم يكن ذا منابع محلية، أي مشكلات داخلية في كل دولة بعينها، فإنه لم يكن من الممكن له أن يصبح مشكلة عالمية تنتشر في جميع دول العالم. وأيضاً لكي يحدث الانتشار لابد من وجود أيديولوجيات وأفكار طموحة عابرة للحدود تساعد على ذلك، بالإضافة إلى الأوضاع الحاضنة التي تؤجج تلك الأيديولوجيات وتزكي الفكر فيها كالفقر والجهل والجهات الراغبة في تبني ذلك واستغلاله للاستفادة الشخصية منه كقيادات "القاعدة" و"داعش" و"جند الرب" و"بوكو حرام"، وغيرها، تنتمي إلى أديان وملل ونحل ومذاهب عدة. تلك الظروف يمكن أن تشكل منظومة من الأسباب الممكنة والحاضنة مباشرة للإرهاب، فحيث لا تستطيع الدول السيطرة على تلك الظروف، يصبح الإرهاب قادراً على الانتشار والتفشي في مستويات إقليمية وعالمية. وفي بعض الأحيان لا تقوم الدول القوية بحل مشكلة الإرهاب من جذورها، لكنها تقوم بطرد الإرهاب والإرهابيين من داخل حدودها الإقليمية إلى المناطق الهشّة والدول الضعيفة حول العالم، كما يحدث حالياً بالنسبة لانضمام الشباب إلى منظمات إرهابية في دول العالم النامي كالعراق وسوريا واليمن والصومال وأفغانستان وباكستان ونيجيريا ومالي وعدد من دول جنوب آسيا وجنوب شرقها. وفي العديد من الحالات، يبدو الإرهاب في الدرجة الأولى بأنه صيغة من ردة الفعل على ما تقوم به الأطراف المختلفة تجاه بعضها بعضاً، كأن تقوم الدولة بضرب معاقل الإرهابيين بعد أن يقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية من نوع ما، أو أن يقوم الإرهابيون بأعمالهم من منطلقات أيديولوجية، كأن يقول تنظيم "داعش" بأنه يريد إقامة "الدولة الإسلامية" لأن الدول القائمة حالياً غير إسلامية، أو أن تقوم "القاعدة" بضرب المصالح الغربية، لأن الغرب يسيء إلى المسلمين، ويحاول نشر ثقافته في أوساطهم. وعندما تأتي المسألة لمكافحة الإرهاب حالياً، يتضح بأن النجاحات الجزئية والنسبية التي يتم تحقيقها ناتجة عن التنفيذ الفعال للقوانين والتعاون الاستخباري المكثف بين مختلف دول العالم، عوضاً عن أن يكون ناتجاً عن استخدام العنف والأعمال العسكرية، الأمر الذي يقود العديد من دارسي ظاهرة الإرهاب المعاصر إلى القول بأن العنف والوسائل الأمنية والعسكرية وحدها ليست الإجابة الشافية على الظاهرة الإرهابية. صحيح أن الحلول الأمنية جزء جوهري من مكافحة الإرهاب، لكن يبقى أن أسباب ظهور الإرهاب والإرهابيين متداخلة جداً بأوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وديموغرافية واسعة النطاق، أهمها الفساد السياسي والإداري والمؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الضعيفة والمهترئة والضغوط السكانية الهائلة على البنى التحتية للدول الفقيرة. لذلك فإن المنهج الذي تدعو إليه في مكافحة الإرهاب، يذهب بعيداً إلى ما وراء الاستخدام قصير الأمد للحلول الأمنية والعسكرية القائمة على ردة الفعل. وهذه مسألة تحتاج إلى تعاون إقليمي ودولي أوسع نطاقاً وأكثر جدية، بالإضافة إلى توتير الإمكانات المادية والبشرية والمعنوية لمساعدة الدول والمناطق التي تعتبر حواضن محلية لظهور الإرهاب لتقوية قدراتها الخاصة باجتثاث الإرهاب من جذوره. لكن ذلك يبدو أمراً بعيد المنال حالياً لأن الأطراف الأكثر تضرراً لديها المناهج والطرق الخاصة بها، والتي تعتقد بأنها هي الأكثر فهماً للإرهاب وكيفية محاربته. وهذا أمر مغلوط يقود حتى الآن إلى أبواب موصدة.