عندما تقدمت الصين بتعازيها الحارة لباكستان بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف مدرسة بيشاور وأسفر عن مقتل 130 طفلًا، لم تكن تلك مجرد لمسة إنسانية عابرة، بل كانت تعبيراً عن تاريخ من العلاقات المتداخلة والممتدة بين بكين وإسلام آباد ما زالت تفاعلاتها مستمرة حتى اليوم، وهذه العلاقة الخاصة بين البلدين هي ما يسعى أندرو سمول، الخبير في الشؤون الآسيوية، إلى تسليط الضوء على بعض جوانبه في كتابه «محور الصين- باكستان: الجغرافيا السياسية في آسيا». ويرى الكاتب أنه على رغم تلك العلاقات المتميزة بين البلدين التي تجلت عبر محطات تاريخية مختلفة، إلا أنها لا تخلو من شكوك نابعة أساساً من الاختلاف الثقافي بين البلدين، وخوف الصين من التطرف الديني الذي قد يغذي المشاعر الانفصالية لدى أقلية الإيغور المسلمة. كما أن المسؤولين الصينيين لا ينظرون بعين الرضى إلى جهود السلطات الباكستانية في مكافحة حركة تركستان الشرقية التي يعتقد البعض أنها قد تتخذ في الأراضي الباكستانية معقلًا لها وتهدد انطلاقاً منها المناطق الغربية للصين. ولاشك أن سوء الفهم الصيني يقابله في الجانب الباكستاني وعي وإدراك لهذا الاختلاف بين البلدين والتوجس الذي يدفع الصين أحياناً إلى التخوف من جارها المسلم. وحسب مسؤول باكستاني يورد الكاتب تصريحاته: «تفهم الصين تقريباً كل شيء حول باكستان سواء تعلق الأمر بالسياسة، أو الأمن، أو الاقتصاد، ولكن هناك أمراً واحداً لا تفهمه الصين وهو الإسلام». بيد أن هذه المخاوف الصينية لا تلغي أيضاً العلاقات المتميزة والاستراتيجية التي يقول الكاتب من خلال دراسته التاريخية لها، وأيضاً من مجموعة اللقاءات التي أجراها مع مسؤولي البلدين، إنها متينة وصلبة. فالعلاقات قديمة بين الصين وباكستان، حيث ترجع إلى ما بعد قيام باكستان وتلقف الصين للحدث رغبة منها في منع تمدد الهند ومنافستها في آسيا. وقد توثقت الصلة أكثر خلال فترة «ماو تسي تونغ» بالنظر إلى عدائهما المشترك للهند وتوجسهما منها، وليس أدل على ذلك، يقول الكاتب، من التاريخ المديد للعلاقات المميزة بين المؤسستين العسكريتين في الصين وباكستان وسلسلة الصفقات السرية التي أبرمها الطرفان. ومعروف الدور الذي لعبته الصين في بناء الترسانة النووية الباكستانية وتزويدها بالتكنولوجيا الضرورية، هذا فضلًا عن مساعدتها أيضاً في تطوير صواريخها الباليستية، وقبل ذلك عندما تعرض الجيش الباكستاني لمصاعب في حربه الأولى ضد الهند سارع كبار المسؤولين العسكريين في باكستان إلى طلب المساعدة في 1965 من نظرائهم الصينيين الذين لم يترددوا في مدهم بالذخيرة لمواصلة القتال. وفي المقابل، كما يشير الكاتب، لعبت باكستان دوراً مهماً في التقارب الصيني الأميركي بالنظر إلى علاقتها الودية مع واشنطن. ولم تكتفِ الصين فحسب بتزويد حليفتها باكستان بالتكنولوجيا النووية الموجهة لأغراض عسكرية، بل مدتها أيضاً بالعتاد العسكري التقليدي، وبالطاقة النووية السلمية، حيث تبني الصين حالياً مفاعلين كبيرين لتوليد الطاقة يساهمان في حل مشكلة انقطاع الكهرباء التي تعاني منها إسلام آباد. وفيما تواصل الصين تمددها في الإقليم مالئة الفراغ الناتج عن الانكفاء الأميركي تبرز باكستان باعتبارها مكسباً استراتيجياً للصين تستطيع من خلال شبكة من الموانئ والطرق السريعة وأنواع أخرى من البنى التحتية التي تعبر الأراضي الباكستانية تأمين احتياجاتها من الطاقة سواء بربطها بإيران، أو الخليج العربي، هذا ناهيك عن المشروعات المكلفة التي تمولها الصين في باكستان وتراهن عليها لتمتين العلاقات وإقامة محور صيني باكستاني يعتمد بالأساس على موازنة القوة الهندية في جنوب آسيا حماية لظهر الصين فيما هي تتمدد شرقاً. ولكن هذه الاستراتيجية الصينية قد تنغصها جملة من العراقيل منها احتمال تعرض الصين نفسها لهجمات إرهابية، حيث تكتفي حالياً على الوقوف بعيداً فيما يستهدف الإرهاب المصالح الأميركية بالأساس، وأيضاً هناك التعاون الأوثق بين إسلام آباد وواشنطن الذي قد يؤثر بدوره على التطلعات الصينية ويحد من طموحاتها في انبثاق المحور الصيني الباكستاني الجديد. زهير الكساب ----- الكتاب: محور الصين باكستان: الجغرافيا السياسية في آسيا المؤلف: أندرو سمول الناشر: هيرست أند كو تاريخ النشر: 2015