يمكن لسياسة الشدّ والجذب بين الولايات المتحدة وروسيا أن تدفعك للاعتقاد بأن صلاحية «معاهدة حظر انتشار الصواريخ النووية متوسطة المدى» المعقودة بينهما قد انتهت. وكانت الغاية من حظر انتشار هذه الصواريخ تتركز على تثبيت الأمن في أوروبا، وتحفيز الرغبة لدى الطرفين لتوقيع معاهدات أخرى تهدف إلى تخفيض القوة النووية الاستراتيجية، وهي التي تم توقيعها بالفعل ولا تزال سارية المفعول حتى اليوم. وقد لعبت معاهدة حظر انتشار الصواريخ النووية متوسطة المدى لعام 1987 بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1988، دوراً أساسياً في مراقبة انتشار الأسلحة النووية، إلا أن تطبيقها الفعلي أصبح ينطوي على صعوبات ومشاكل متزايدة بعد إلغاء مهمات المفتشين في المواقع النووية التي تمثّل نظام التحقق الدقيق من الالتزام ببنود المعاهدة. واليوم، باتت الأقمار الصناعية التجسسية تتكفل بمهمة المراقبة. وعلى رغم الإمكانات التكنولوجية العالية لهذه الأقمار، إلا أنها تفتقر للقدرة على إشراك العناصر البشرية في التحقيقات. وقد تعرضت بعض عمليات التفتيش للمواقع المشبوهة بواسطتها لفشل ذريع بسبب تكاليفها المرتفعة وتعقيداتها التقنية الهائلة، إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم ضرورة العمل على إعادة إحيائها من جديد. وهناك مشكلتان تسببت الخلافات الأميركية- الروسية في ظهورهما وينبغي التوصل إلى حلول لهما من أجل إعادة تنشيط نظام التفتيش. فقد عبّرت إدارة أوباما لموسكو بما مؤداه أن الولايات المتحدة تنظر إلى روسيا باعتبارها الطرف الذي بادر إلى خرق بنود «معاهدة حظر الصواريخ النووية متوسطة المدى». وتستند القضية الأساسية لهذه التهمة على الزعم الأميركي بأن الروس أجروا اختباراً على صاروخ نووي يطلق من الأرض يتراوح مداه بين 5000 و5500 كيلومتر، وهو عمل محظور وفق بنود المعاهدة. وأنكر الروس هذه التهمة إنكاراً تاماً وقالوا إن الولايات المتحدة فشلت في تقديم أية بيانات أو معلومات يمكنها أن تؤيد هذه المزاعم. وفي المقابل، لم تتوقف روسيا عن كيل الاتهامات للولايات المتحدة بنقضها للمعاهدة. ويتعلق أهم تلك الاتهامات بالخطط الأميركية لنشر نظام «نافي آيجييس» Navy Aegis الصاروخي وصواريخ «ستاندارد ميسيل-3» SM-3 الاعتراضية باستخدام نظام الإطلاق العمودي في كل من رومانيا وبولندا. وتتميز البطاريات المخصصة لإطلاق النظامين بتعدد مهماتها، وهي مصممة بحيث يمكن استخدامها أيضاً من فوق السفن الحربية، ويمكنها إطلاق الصاروخ «ستاندارد ميسيل-3» الاعتراضي بالإضافة لصاروخ «توماهوك» بعيد المدى. ويزعم الروس أن هذه الأنظمة تمنح الولايات المتحدة القدرة على إطلاق صواريخ «توماهوك» من منصات أرضية وبما يمثل انتهاكاً صارخاً للمعاهدة. ويندرج الالتزام ببنود المعاهدة فيما يتعلق بهذه النقطة ضمن إطار مهمة مفتشي المواقع الميدانيين. وتجدر الإشارة إلى أن آخر مهمة أنجزها المفتشون النوويون في هذا الإطار تعود لعام 2001. وعلى رغم أن مهمة التحقّق من الممارسات ذات العلاقة بالمعاهدة أنيطت بعد ذلك بالأقمار الصناعية التجسسية، إلا أن المعلومات التي تم جمعها بهذه الطريقة لم تكن مكتملة، وتميزت بصعوبة الاستقراء والتفسير وبما يجعلها تقنية لا يمكن الاعتماد عليها للتحقق من الالتزام ببنود المعاهدة. ولذا فنحن نحتاج الآن للعودة إلى نظام تفتيش المواقع، بحيث يتم العمل به ضمن الأطر والمفاهيم التي تنطوي عليها المعاهدة. وبهذه الطريقة وحدها، يمكن إنجاز عمليات التفتيش بالدقة الكافية للوقوف على مدى التزام الطرفين ببنودها. وعلى رغم أن عمليات التفتيش في المواقع لم تعد تمثل طريقة لحفز الطرفين على الالتزام بالمعاهدة، فإن بالإمكان إعادتها إلى النشاط بجهود «اللجنة الخاصة بالتحقق»، وهي منظمة تأسست بموجب المعاهدة ذاتها من أجل حل المشاكل المتعلقة بتحديد مدى التزام الطرفين بها. وسبق للجنة أن حققت إنجازاً مهماً عام 1990 عندما تمكنت من التوصل إلى حل للخلاف حول تركيب وتشغيل نظام للتصوير بأشعة «إكس» يدعى «مسح الحمل» Cargo Scan في مركّب لصناعة الصواريخ في منطقة «فوتكينسك» الروسية، وهدّد هذا التطور بإنهاء العمل بالمعاهدة. وسرعان ما تم حل المشكلة بطريقة «التفتيش في الموقع» التي اقترحتها لجنة التحقق وقبل بها الطرفان. وهذا يدل على أن «نظام تفتيش المواقع» يمكنه أن يلعب دوراً مهماً في حل المشاكل المتعلقة بخرق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية متوسطة المدى، ويسمح بالتحقق من مدى التزام الروس والأميركيين بها في النهاية. ------- سكوت ريتر، المفتش السابق عن أسلحة الدمار الشامل في العراق ينشر بترتيب مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»