أعتقد أن من واجب الصحافة العربية أن تبادر إلى فتح حوار مع المثقفين والإعلاميين والفنانين الأوروبيين. لقد هدأت الثورة النفسية الطبيعية لدى الفرنسيين نسبياً وهي الثورة التي ولدها الفعل الإرهابي في باريس تجاه مجلة «شارلي إيبدو» وتجاه اليهود الفرنسيين. إذن جاء أوان التفكير العقلاني الهادئ لتدبر الذرائع التي استخدمتها المنظمات الإرهابية لتجنيد الشباب الفرنسي المسلم وإقناعه باستخدام العنف. إن الذريعة الأولى كانت تصوير النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه في رسوم كاريكاتورية مسيئة، أما الذريعة الثانية فكانت الانتقام من الظلم القومي الذي أوقعه العالم الغربي بالشعب الفلسطيني عندما فرض إقامة دولة يهودية في فلسطين على أنقاض الفلسطينيين. لقد لاحظت لدى عدد من المثقفين الفرنسيين الذين تحدثوا بالإنجليزية إلى قناة «سي. إن. إن» يوم الحادث أنهم أشاروا إلى أن مجلة «شارلي إيبدو» قد بالغت عندما أعادت نشر الرسوم الدانماركية من دون ضرورة. هؤلاء المثقفين لديهم روح المسؤولية التي دفعتهم إلى إدراك أن ثقافة الشعوب العربية والإسلامية، تأبى من حيث المبدأ مسألة تصوير نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. إنني أعتقد أن هذا النوع العاقل المتوازن من المثقفين هو حليف طبيعي لروح الاعتدال الغالبة في العالم الإسلامي يجب أن نوضح لهم أن المسلمين المعتدلين يشعرون بالأذى النفسي عندما تهان معتقداتهم. صحيح أنهم لا يلجأون للعنف، ولكنهم يعولون على الوسائل السلمية لإقناع الأوروبيين بأن قيمة حرية التعبير لا يجب أن توجه حرابها لمعتقدات الآخرين. لقد تفضل بابا الفاتيكان أثناء رحلته إلى الفلبين وأطلق عبارة واضحة الدلالة في هذا الاتجاه قال فيها إن حرية التعبير لا تعني إهانة عقائد الآخرين. إننا نتفهم أن لدى المثقفين الفرنسيين العلمانيين موقفا سلبيا تجاه الكنيسة نتيجة لتحالف رجال الدين المسيحي مع الملكية الظالمة في فرنسا والتي أطاحت بها الثورة الفرنسية لهذا لا نتوقع أن يكون لعبارة البابا أثر عندهم. إن المدخل العقلاني الذي يجب أن نحاورهم من خلاله هو استخدام المنطلق حول اختلاف ثقافات الشعوب وضرورة احترام خصوصيات كل ثقافة هذا فيما يخص الرسوم الكاريكاتورية. أما في يخص القضية الفلسطينية، فإن المدخل العقلي هو طرح الأسئلة عن الواجب الملقى على فرنسا وسائر دول أوروبا في مجال تمكين آخر الشعوب الخاضعة للاحتلال من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة في حدود الرابع من يونيو. إنني أعتقد أن الصحافة العربية قادرة على فتح الحوار مع الأوروبيين بطريقتين. الأولى توجيه الرسائل المفتوحة من الكتاب والثانية إقامة مؤتمرات مشتركة يدعى إليها المثقفون الأوروبيون للتحاور مع نظرائهم العرب والمسلمين حول كيفية تجفيف منابع الاحتقان والشعور بالظلم لدى الشباب المسلم، والتي يوظفها الإرهاب لتجنيدهم. أرجو أن يُعقد «منتدى الاتحاد» المقبل حول هذا الموضوع.