اشتعلت الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية (انتفاضة الأقصى) بصورة كبيرة منذ اللحظة الأولى ونشبتا بسبب حدث محدد. اليوم يتحدث إسرائيليون بارزون عن انتفاضة فلسطينية ثالثة تتصاعد منذ مارس الماضي، لكن شكلت سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المسجد الأقصى المقدمة الفعلية لهذه «الانتفاضة» التي يتركز الحديث – إسرائيلياً – على تسميتها: «انتفاضة الأفراد»، لن يكون آخرها العملية الجريئة التي نفذها الشاب حمزة متروك حين طعن 16 إسرائيلياً داخل حافلة في تل أبيب. في مقال بعنوان «انتفاضة فلسطينية شعبية جزء من استراتيجية أبومازن»، وقال المعلق العسكري الإسرائيلي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» (رون بن يشاي) «لجميع الذين لم ينتبهوا (المفوض العام للشرطة خصوصاً) أقول: ما يجري من مواجهات في القدس والضفة الغربية، إلى جانب حوادث من وقت إلى آخر من نوع هجوم بسلاح ناري، أو تفجير عبوة محلية الصنع أو حادثة دهس، هو انتفاضة ثالثة. وهي على عكس سيناريوهات الرعب التي توقعناها استناداً إلى تجربة الماضي، ليست انتفاضة جماهيرية مثل الانتفاضة الأولى، ولا تشمل هجمات (إرهابية) كبيرة وقاتلة مثل الانتفاضة الثانية. هي عملياً مستمرة منذ عشرة أشهر، أي منذ انهيار مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإجراء مفاوضات مباشرة، لكنها لم تحصل على تسمية انتفاضة مثل سابقاتها لأنها تجري بصورة عامة على نار هادئة». من جهته، وفي سياق ما يميز هذه الانتفاضة عن سابقتيها، كتب (يعقوب عميدرور) في مقال بعنوان «ثلاثة تحديات أمام إسرائيل»، قائلا: «حتى الآن لا يوجد رد بسيط على خطر (الإرهاب) الفردي غير المنظم، لأنه في مثل هذه الحالات لا يمكن جمع المعلومات الاستخباراتية، ومن الصعب معرفة ما يجري في داخل شخص قرر تنفيذ عملية (إرهابية)، فهذه الأمور لا يمكن التنصت عليها ولا كشفها. لذا من المستحيل استباق هذه العمليات ومنع وقوعها. في الوقت عينه ونظراً إلى أن هذا الشخص لا ينتمي إلى تنظيم يشجعه على القيام بالهجوم أو يساعده، فلا سبيل إلى معرفة الهجوم مسبقا». من جانبه، كتب (يوسي ميلمان) في «معاريف» مقالًا بعنوان «حكومة لا تعي ما يدور»، جاء فيه: «لا شك أن إسرائيل تقف على شفا هاوية، على حافة بركان، ينبعث منه منذ الآن اللهيب والدخان السميك. فالشاباك يشدد على أنه لا توجد مؤشرات تدل على قيادة مركزية أو على هذه المنظمة أو تلك التي تبادر وتوجه الأحداث». ويبين: «الانتفاضة الأولى والثانية أيضاً لم تكونا منظمتين أو موجهتين. لكن الزعماء والتنظيمات قفزوا فقط لاحقاً وركبوا بالمجان على موجات الاحتجاج. هكذا أيضاً على ما يبدو يمكن القول عن الأحداث المستمرة. فهي عفوية وغير منظمة. ولكن واضح أنها تراكم الزخم». وعن التغير البارز، يتحدث (يؤاف شاحام) في مقال بعنوان «خطوط لصورة (انتفاضة الأفراد)» ويقول: «موجة الأحداث هذه تُذكر بالعمليات (الإرهابية) التي وقعت في القدس قبل عام، ولكنها تلاشت لأنها لم تجد لها دعمًا جماهيرياً. نرى الآن بأن الجو العام تغيّر، والمجتمع الآن يدعم تلك العمليات». أما "دافيد هيرست"، رئيس تحرير موقع «ميدل إيست آي» فيذهب بعيداً، في مقال بعنوان «المعركة على القدس» قال فيه: «أبرز ما يميز هذه الانتفاضة الفلسطينية، عن الانتفاضتين اللتين سبقتاها، أنها ستكون معركة يخوضها الفلسطينيون الذين يعيشون داخل الجدار الذي أنشأته إسرائيل حول نفسها، أي من قبل فلسطينيي القدس الشرقية وفلسطينيي أراضي 1948 والذين هم مواطنون إسرائيليون. وعلى النقيض من الانتفاضتين السابقتين لن يكون الصراع هذه المرة محصوراً داخل حدود آمنة كالتي تحميها وتضمنها دول قوية سواء كانت صديقة أو عدوة». ويضيف: «لذلك فإن تحويل القدس إلى ساحة معركة في أجواء الفوضى العارمة التي تعصف بالعالم العربي بأسره، حيث أصبحت أربع من دوله فاشلة، إنما هو بمثابة دعوة مفتوحة لكل مقاتل عربي بالقدوم». ويختم: «وبهذا يكون نتنياهو محقاً هذه المرة في إعلانه أن هذه فعلاً هي المعركة من أجل القدس. وهي إما أن تكون المعركة الأخيرة التي يخوضها الفلسطينيون قبل أن يستولي المستوطنون على القدس الشرقية بأسرها، أو أنها ستكون المعركة الأولى في نضال أكبر وأطول بحيث تصبح فيه القدس قطب جذب للمقاتلين من كل حدب وصوب، سنة وشيعة، علمانيين وإسلاميين، جهاديين أو تكفيريين أو قوى قومية ووطنية. لقد اختار نتنياهو ساحة المعركة القادرة على جذب جميع هؤلاء إليها». فهل، نحن حقاً، بتنا على أبواب «حرب دينية» حذر منها الرئيس الفلسطيني – وغيره – مرارا وتكرارا؟ رئيس مجلس أمناء الموسوعة الفلسطينية