أطلق أوباما خطاباً تميز بقدر كبير من الاختيال والغرور وقلّة الاكتراث عندما تحدث إلى الكونجرس في استعراضه السنوي لوضع الأمة، أو خطاب «حالة الاتحاد» في 20 يناير الماضي. وبالرغم من أنه افتقد للأغلبية في مجلس النواب منذ الانتخابات النصفية التي نظمت في نوفمبر، فلقد ترددت في خطابه نغمة الرجل السياسي المتحرر من الالتزام بحملة انتخابية جديدة، وبات في وسعه أن يشدّد التركيز على القرارات السياسية المهمة التي تبنّاها خلال السنتين الماضيتين من ولايته الثانية في البيت الأبيض. وبدا وكأنه يحتفل بصعود شعبيته في أوساط الشعب الأميركي إلى 50% من خلال سبر الآراء الذي أجري مؤخراً في الولايات المتحدة كلها. ويقف وراء هذا الصعود المفاجئ سبب مهم يتعلق بتحسن أداء الاقتصاد الأميركي الذي سجّل نمواً مثيراً للإعجاب، مُعزّزاً بانخفاض محسوس في معدل البطالة. ويضاف إلى كل ذلك أن الانخفاض الكبير في أسعار البنزين مثّل مكسباً كبيراً لشريحة العائلات الأميركية متوسطة الدخل، التي لم يُكتَبَ لها أن تنعم بأية عوائد مباشرة من الارتفاع الكبير الذي شهدته مؤشرات البورصة المحلية. والآن، ينشغل الحزبان الرئيسيان في الولايات المتحدة (الديموقراطي والجمهوري)، بتقديم الوعود والعهود للطبقة الوسطى بأن تشكّل قضاياها ومشاكلها الشغل الشاغل لهما في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وفضّل الحاكم السابق لولاية ماساشوسيتس «ميت رومني»، الذي يُنتظر منه أن يخوض تجربته الانتخابية الثالثة للفوز بالرئاسة الأميركية، أن يوظّف نفسه باعتباره المدافع الأكبر عن الناخبين الأميركيين الذين غفل عن الاهتمام بهم في انتخابات 2012. وراح يشجب سياسات أوباما عن الظلم الذي لحق بهم، وأعلن عن أن الأمة الأميركية تحتاج إلى شخص يتمتع برصيد مشرّف في مجال العمل والإنجاز يسمح له بقيادة معركة السعي لرفع الأجور والعوائد المادية للمواطنين. ويردد هذا التركيز المشدّد لـ«رومني» على مصالح الشريحة الشعبية الوسطى، مرشحون آخرون للرئاسة عن الحزب «الجمهوري»، كما أنه يبرز من ناحية أخرى، المشاغل ذاتها لـ«هيلاري كلينتون»، المرشحة المحتملة عن الحزب «الديموقراطي». ولم يكن أمام أوباما إلا القليل مما يمكنه أن يتحدث عنه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية خلال خطابه «حالة الاتحاد». ولم يعرّج على الأوضاع في آسيا وشرق أوروبا وأوكرانيا إلا بكلام قليل مبتسر. ولكن، وبعد ساعات قليلة من خطابه، علم هو وإدارته بأن زعيم «الجمهوريين» ورئيس مجلس النواب «جون بوينر» وجّه دعوة شخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمشاركة في جلسة مشتركة للكونجرس ستنعقد بداية الربيع يتناول موضوعها السياسة الأميركية حيال إيران. وتأتي هذه الدعوة قبيل إجراء الانتخابات العامة في إسرائيل. ولم يكلّف «بوينر» نفسه عناء التشاور مع إدارة أوباما حول هذه الدعوة، ولا حتى إعلامها بهذا القرار. وترتبت عن هذا السلوك غير المسبوق هبوب عاصفة من الانتقادات لـ«بوينر» من جهة، ولنتنياهو من جهة أخرى لأنه أعلن عن قبوله للدعوة. وينطوي مجرّد القول بأن إدارة البيت الأبيض شعرت بالغضب بسبب سلوك «بوينر» على التبسيط المغالى فيه للأمور. ولا شك أن الدم الأسود الذي حقنه هذا الحدث، سوف يسيء كثيراً للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية ويقوّض الجهود المبذولة لعقد صفقة نووية بين مجموعة 5+1 وإيران. وليس هناك ثمّة من شك في أن جهود نتنياهو الرامية إلى «تثقيف» الكونجرس الأميركي بالأخطار المترتبة عن عقد اتفاقية مع إيران، لن تغيظ إدارة البيت الأبيض وحدها، بل إنها ستستثير أيضاً غضب زعماء مجموعة دول 5+1، وربما تدفع إيران ذاتها لنفض يديها من تلك المفاوضات تماماً. وبعد أيام من إلقاء أوباما لخطابه حول وضع البلاد، طار إلى الهند للاحتفال بعيدها الوطني. وآثر أن يحظى بشرف مشاركة أول رئيس أميركي بهذا الاحتفال. وبدأت عرى الصداقة بالتأصل لأول مرة بين أوباما ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، عندما قام «مودي» بزيارة للولايات المتحدة في شهر سبتمبر الماضي. وعقد الطرفان اتفاقية لبيع التكنولوجيا النووية الأميركية للهند. ووفقاً لكل المقاييس، يمكن القول بأن زيارة أوباما القصيرة للهند كانت ذات إنتاجية عالية، ومن المرجّح أن تعزز الفرص في تحفيز رغبة الهند على الاهتمام بمشاكل التغير المناخي. وخاصة ما يتعلق بتخفيض الانبعاثات الكربونية على غرار تلك الاتفاقية التي عقدتها الولايات المتحدة مع الصين. ومن الأخبار الأخرى التي قد تسعد أوباما و«الديموقراطيين» بشكل عام، الاختلافات العميقة التي ظهرت بوادرها مؤخراً بين «الجمهوريين» أنفسهم. وبلغ عدد المترشحين الجادين منهم لخوض الانتخابات الرئاسية ثمانية في وقت لم يبرز فيه اسم أي مرشح «ديموقراطي» غير هيلاري كلينتون. وبهذا، يدخل الأميركيون من جديد دوامتهم الانتخابية التي لا يبدو أن لها قراراً أو نهاية.