على الرغم من القوة الظاهرة التي تغلف الاقتصاد الأميركي، التي تباهى بها أوباما في خطاب «حالة الاتحاد» الأسبوع الماضي، فإن الاقتصاد الأميركي مريض للغاية، وهو في حالة الانعاش، أو في حالة صحوة ما قبل الموت إنْ صح التعبير. هذا ليس استنتاجا متسرعا، وإنما مبني على حقائق وأرقام صادرة عن المؤسسات الرسمية الأميركية التي وضعت ساعة للدين العام الأميركي المتسارع والمتدحرج نحو الهاوية، فعندما ينتهي القارئ من مطالعة هذا العمود يكون الدين العام الأميركي قد ازداد بمقدار مليوني دولار، أي في أربع دقائق فقط، أو ما يعادل 720 مليون دولار في اليوم. والمقصود هنا مجموع الدين على الحكومة الاتحادية للأطراف الداخلية والخارجية، والذي كاد في شهر أغسطس من عام 2011 أن يؤدي بالولايات المتحدة إلى إعلان إفلاسها بسبب تجاوزها سقف الدين، وبالتالي عدم قدرتها على الاستدانة للوفاء بالتزاماتها المالية، وبالأخص الخارجية، والتي تشمل دفع تكاليف الدين العام التي تتجاوز 2 تريليون دولار، مما يعني ولوج الاقتصاد العالمي في أزمة حقيقية. في عام 1980 كان حجم الدين العام لا يتجاوز تريليون دولار، وهو ما شكل 33.6% من الناتج المحلي، أما في الوقت الحاضر، فقد تجاوز 18.1 تريليون دولار، 70% منها تقريباً للديون الخارجية، علما بأنها تشكل 104.3% من حجم الناتج الإجمالي أو أنها تبلغ تقريباً ضعف نسبة الأمان البالغة 60%. في المقابل يتراوح العجز التجاري ما بين 200-500 مليار دولار سنوياً، وهو ما يقلص قدرة الولايات المتحدة على تصحيح أوضاعها المالية ويزيدها تعقيداً عاماً بعد آخر، أي أنها ستظل قادرة على البقاء بفضل الديون، فكل مواطن أميركي مدين بمبلغ 56.5 ألف دولار، أما إذا اقتصر ذلك على السكان الفاعلين اقتصادياً أو دافعي الضرائب، فإن هذا المبلغ سيصل إلى 154 ألف دولار لكل شخص. وتاتي الصين واليابان في المرتبتين الأولى والثانية على قائمة أكبر الدائنين للولايات المتحدة والمالكين لشهادات سندات الخزانة الأميركية، تليها بعض البلدان الأوروبية والعربية والآسيوية، والتي استثمرت بكثافة في سندات الخزانة. قريباً ستواجه الولايات المتحدة الموقف نفسه الذي واجهته في أغسطس عام 2011، أي عدم القدرة على الاستدانة بسبب بلوغ سقف الدين حده الأعلى، مما يضعها أمام احتمالين لا ثالث لهما، فإما أن يقوم الكونجرس برفع السقف مرة أخرى أو إعلان الإفلاس وعدم القدرة على التسديد. وحتى إذا قرر الكونجرس رفع سقف الدين، فإن ذلك لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، إذ إن ذلك يعتبر مجرد مسكن للألم وليس علاجا له، والمعروف في عالم الطب أن المسكنات ربما تؤدي إلى تفاقم حالة المريض في أحيان كثيرة، إذا لم يشخص ويعالج بطريقة صحيحة. ذلك يعني باختصار أن إفلاس الولايات المتحدة مسألة وقت ليس إلا، إذ إنه الحل الوحيد المتاح للخروج من أزمة الدين العام، مما يعني تكبد العديد من الدول لخسائر جسيمة، وبالأخص الصين واليابان، أي ثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم، حيث سيشكل ذلك تهديداً للاقتصاد العالمي ككل، وربما يقود إلى حروب وأزمات تستمر لسنوات طويلة. ومع ذلك هناك ضوء خافت في نهاية النفق يكمن في تخلي الولايات المتحدة عن مكانتها كقوة عظمى وحيدة في العالم من خلال تخفيض الانفاق العسكري، الذي يرهق الموازنة السنوية وتوجيه المزيد من الموارد للقطاعات الانتاجية وتقليل الاعتماد على الديون الخارجية، إلا أن ذلك بدوره احتمال بعيد المنال بسبب الطابع الوحشي لرأس المال الأميركي الساعي لتحقيق أرباح سريعة وهائلة تلك الوحشية، التي قادت إلى حدوث الأزمة المالية العالمية الأخيرة.