عندما ذاع نبأ إذعان واشنطن لبقاء الرئيس السوري في الحكم أراد الحمويون، كما يُسمى أهل حماة، أن يسبقوا الحماصنة؛ أهل حمص، فذهبوا إلى القصر الجمهوري، وعرضوا على الأسد الزواج من حموية، فوجدوه متزوجاً من الحمصية «أسماء الأخرس»! هذه النكتة أقلَّ تسلية من تقرير «نيويورك تايمز» عن التحول في موقف واشنطن الذي «اعتبره كِلا مناصري ومناهضي الأسد برهاناً على أن واشنطن باتت تعتقد أن إزاحة الأسد يعني أن لا شيء سيحول دون انتشار الفوضى والتطرف». وأراد الحمصيُ أن يبشر بذلك الحمويَ فاتصل به على الموبايل، فسأله الحموي كيف اتصل به. قال الحمصي على موبايلك، فأخبره الحمويُ أنه يبحث عن الموبايل منذ ساعة، فقال الحمصي ابحث عنه «منيح» عندي أخبار مهمة. وهكذا هي أحداث سوريا؛ مآسٍ وملاهٍ، وأحدثها تنسيق الطائرات الأميركية والسورية عمليات قصف سوريا، كما في نكتة الحمصي، الذي خبأ نقوده تحت حجر، وكتب عليه «هنا لا توجد نقود»، فعثر حموي عليها وأخذها، وكتب «جارُك الحموي لم يأخذها». ونكتة كطعنة سكِّين في القلب عن طبيب بجامعة هارفارد، نشر إعلاناً حول العلاج المجاني للأطفال السوريين الذين فقدوا أطرافهم، فاستلم رسالة من الداخل، تسأل «فينا نجهزك بألفين، بس نجهزهم مع أطرافهم المقطوعة أو بدونها»؟ «وفي وقت الاضطراب لا شيء أكثر عمومية من تحالف الرذيلة المتهورة والفضيلة المهتاجة»، حسب المؤرخ الفرنسي «بيير كاجزوت» مؤلف الكتاب النقدي للثورة الفرنسية عام 1789، التي لا تعيد الثورة السورية سوى فظائعها. ومَنْ غير حمصي يتورط بتصوير الفيلم الوثائقي «بلدنا الرهيب» الذي تجري أحداثه خلال التصوير، بما في ذلك اعتقال مصوره زياد الحمصي (26 عام) من قبل «الجيش الإسلامي». وهذه ليست نكتة، بل وقائع الفيلم الذي يتابع أحداث الثورة عبر حياة «ياسين الحاج صالح»، وهو طبيب، وكاتب يساري قضى 16 عاماً في سجون النظام، وانضّم للثورة السورية، التي طوّحت به وزوجته سميرة خليل، ومجموعة نشطاء انتهوا إلى الإيمان بأن الثقافة السبيل الوحيد لإنقاذ الثورة. وعندما صوّر الفيلم نشاطهم الثقافي في تنظيف شوارع مدينة «الدوما» بغوطة دمشق، اقتحم المشهد شخص ملتحٍ، وطلب من الناشطات تغطية شعرهن. وسأله «الحمصي» ما إذا كان يحب ما يفعلونه، فأجاب الملتحي «الحب من الله، وهو خير حافظ، وهذا كل شيء». ويقتفي «الحمصي»، و«كاميرته» رحلة «صالح» إلى مدينته «الرقة» الواقعة تحت سيطرة مقاتلي «الدولة الإسلامية» الذين اعتقلوا شقيقه «فراس». وتنتهي المغامرة باعتقال مجندي «الدولة الإسلامية» «الحمصي» نفسه، وهرب صالح، إثر اختطاف «الإسلاميين» زوجته مع صديقتها المحامية الناشطة «رزان زيتونة». ويفلح «الحمصي» في الهرب إلى اسطنبول، حيث سبقه إليها «صالح». ويصور الفيلم بقسوة وقائع فشل مثقفي سوريا الثوريين، وفشل أفكارهم نفسها في قيادة الثورة. يعترف بذلك منتج ومخرج الفيلم محمد علي الأتاسي، ويقول «صنعنا هذا الفيلم لنقول للعالم أن هناك سوريا أخرى لا ترونها على شاشات التلفزيون ونشرات الأخبار التي لا تتكلم إلا عن الإسلاميين والعنف والديكتاتورية». وأضاف في تصريح لوكالة «أ. ف. ب» بباريس «هناك ناس عاديون في سوريا يحبون ويحزنون ويحلمون ويخسرون، ولكنهم مازالوا مسلحين بالأمل وبحلم الحرية والعدالة». والعقل السوري كالبطيخة الحمراء، التي يقولون عنها «كبيرة مليانة بزر، وشجرتها صغيرة، لكن من كبرها متموضعة على الأرض، وتفتحها فيفاجؤك لُبها الأحمر المخملي، وطمعها العسل». والبطيخة مُدَّبِرة كالسورية «ما فيها شي ما بيتاكل، أعني البطيخة، حتى بزرها يحمصوه، ويقزقزوه، وجلدها السميك، علف للحمير». وما إن تملك عقلية «بطيخية» تدرك أن فقدان العقل تجربة مهولة، تجعل الحمصي يسأل الحموي إذا كان شاف مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا «مار من هون»، قال الحموي «مَرْ شي من ساعتين». يسأل الحمصي «هل كنت أنا معه»؟ و«المرآة الذكية» في تواليت مطار ديجول بباريس سبب عدم مشاركة أقطاب المعارضة السورية في مؤتمر موسكو التشاوري. فهذه المرآة التي تتعرف على هوية كل شخص يقف أمامها أرعبت ممثل حمص، الذي سافر متنكراً، فارتدى العقال العربي بدل «البيريه» الفرنسية، وكررت «المرآة الذكية» القول «أنت ممثل حمص إلى مؤتمر موسكو، وطائرتك بعد ربع ساعة»، وأخيراً تغطّى بالحجاب، فقالت المرآة «أنت ممثل حمص إلى مؤتمر موسكو، وخليك تستهبل.. راحت عليك الطائرة»!