الإنسان لا يرى بعينيه، أو يسمع بأذنيه، بل يرى ويسمع بدماغه؛ فرب مُبَلّغ غير من سامع. والآيات لا يعقلها إلا العالمون. والأفكار لا تستوعبها إلا أذن واعية. والطبيب حينما يزور مدينة جديدة يلفت نظره عناوين الأطباء. وهناك من استمرأ الجهالة فزار الغرب فظن أنه ماخور. وهو جامعة وماخور ومؤسسة علمية ومصرف مالي لمن يريد. ولكل وجهة هو موليها؛ فمن كانت هجرته إلى اللهو فسوف يجده بعد وصوله أي مطار، ولنقل في فانكوفر مثلاً. ومن كان سفره إلى معرض الكتاب في هانوفر فسوف يجتمع بألف ناشر لمائة ألف كتاب. ومن بحث عن الصالحين وجدهم..وهكذا. وكتبت يوماً عن مشروع الأحاديث الحيوية، فقال أحدهم إنه مشروع محكوم بالإعدام، وهو وضع رأسه على المقصلة من دون حكم إعدام، ولن يستفيد مما أكتب. والمشكلة أن الكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تعرف قيساً. وفي يوم كتب الدكتور «فايز المط» كتاباً جميلاً جمعه من أحاديث شتى لفائدة الناس، فأفاد وجعله في سجل حسناته. والرجل قد استفدنا من علمه مرتين في الطب، حيث كان يدرسنا التشريح واستفدنا من طبه النبوي. والحديث كهف كبير مملوء بالكنوز لمن أراد الاستفادة من خاماته. ولكن من يدخل الكهف من دون نور فهو كحاطب بليل لا يعرف هل احتطب عودا أو وضع في سلته أفعى. والقرآن أو الحديث أو أي مرجع ولو كان العهد الجديد ورسالة يوحنا اللاهوتي على المرء أن يستفيد، مما ورد فيه كمستودع للحكمة بغض النظر عمن قاله. والحديث منجم يشبه الصيدلية الزاخرة بالأدوية يستفيد منها الطبيب حسب علمه. وأما الجاهل فقد يأخذ الأسبرين فيصفه لمريض مصاب بقرحة معدة فتنثقب وينزف ويموت. و«مارتن لوثر» خرج من رحم التقليد، فأنار الكنيسة بفكر جديد حين دعا إلى الإصلاح. وعندما نستخرج كنوزاً رائعة من التراث تصبح عملية التغيير أسهل. لأنه كما يقول الفيلسوف ديكارت: لا تهدم بيت أحد، ولكن ابن له ما هو خير منه، ثم ادعه إلى البيت الجديد فلن يعود للقديم. والهدم سهل والبناء تحد، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وأفضل الإصلاح ما كان من الداخل فنقطع الطريق على الذين لا يعلمون. وإذا كانت هناك آيات هن أم الكتاب وأحاديث متشابهات فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم، وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. ونحن من أمة توقف فيها العقل وعطشت في صحراء قاتلة فوجب السقاية والعناية برفق كما نفعل مع المريض وإلا قتلناه. وأقرب الأشياء للإنسان اسمه ولغته ودينه فوجب أن ندخل عليه من هذا المفتاح. ولن تستيقظ الأمة بخطاب من البيان الشيوعي أو موعظة من لاوتسي أو فقرة من الكتاب الأحمر لما وتسي تونج أو نصاً من الكتاب الأخضر للقذافي، بل من تراثها فهو خميرة التحريك والذاكرة العميقة المحرضة. وإنه لذكر لك ولقوم ولسوف تسألون.