يتداعى الباحثون الأوروبيون للدفاع عن قيمهم الغربية التي تنص على حرية التعبير. وبعيداً عن توصيف مدى ومساحة هذه الحرية، ووسط هذا الفزع في الغرب مما يسمونه الخطر الإسلامي، واستغلال بعضهم للأحداث الأخيرة في فرنسا، يجب علينا الوقوف أمام مساهمة الغرب في شيوع التطرف داخل أراضيه. وحينما يستقبل الغرب كل فصائل التيارات الإسلامية المتطرفة الهاربة من عالمنا العربي يستحق، حسب البعض منا، أن تجري الشماتة فيه وبكل سبل السخرية السوداء. لقد خاضت الدول العربية معركة قاسية ضد الإرهاب والتشدد والتطرف، وقتل مئات الآلاف من المسلمين على يد هذه التيارات، في كل مكان تقريباً في عالمنا الإسلامي، ولم نجد من الغرب لا عوناً ولا نجدة، بل على النقيض من ذلك احتضنت المدن الأوروبية كل ظلاميٍّ كاره لمجتمعه. وقد يقول قائل من الغربيين إنهم انخدعوا تحت مسميات توفير الملجأ لمظلومين تعساء أجبرتهم الظروف على الهرب إلى أراضيهم. ولكن الحقيقة أن الغرب لم يخدع، بل وفر وساعد وجند أشكال المعارضات المتطرفة. وعلى رغم أن بوادر تمرد الضيف على المضيف لم تكن حديثة العهد، إلا أن الأجهزة المسؤولة عن مكافحة الإرهاب هي من وقفت إلى جانب الإرهابيين وجندتهم في صفوفها. وقد امتلأت المساجد الوادعة بصنوف الأئمة من «إخوان» و«سلفيين جهاديين» وأناس ديدنهم الحقد على الحريات، ووفرت لهم الحكومات الغربية المايكروفونات التي تفح كالأفاعي بكل حقد على شوق مواطني العالم الإسلامي للحريات. هل يعقل أن يلقي إمام ظلامي خطبة ينادي فيها بالعنف دون أن يمسه ضرر، الأمثلة كثيرة فقبل أسابيع قليلة خرج علينا خطيب مصري ينادي بالرد العنيف على الحكومة المصرية، وبالقتل وإشاعة الفوضى في الشوارع المصرية دون أن يلقى من الأجهزة البريطانية رداً ينسجم مع القوانين المعمول بها في البلد. وقبله أفتى ظلامي سعودي بقتل رئيس الحكومة البريطانية والرئيس الأميركي وكل من يعمل في الحكومات الغربية والعربية حتى لو كان موظفاً بسيطاً، لأنه يشارك في استقرار وعزة ومنعة أنظمة تقف ضد جماعة «القاعدة»! لقد شاركت في حوار على إذاعة «بي بي سي» الناطقة بلغة أهل المملكة المتحدة، وركزت على فتواه، وكان الظلامي معنا ولم ينفِ بل أكد ذلك، ليخرج في صباح اليوم الذي يليه على الصفحة الأولى لصحيفة الأكسبرس معلناً بكل صفاقة أنه يجب قتل رئيس الوزراء آنذاك! ماذا كان رد الأجهزة البريطانية، لم يحدث شيء، بل كان برداً وسلاماً على الظلامي الذي يتمتع بحرية نشر التعصب والتطرف إلى يومنا هذا. ويأتي هذه الأيام مسؤولون بريطانيون يحذرون من الإرهاب، ويتباكون على نتائج ما سمحوا به عقوداً طويلة. ظنوا أن السم سينتشر فقط في عالمنا ويترك أراضيهم سليمة، ولم يخبروا شر هؤلاء، بل اعتقدوا بكل غباء أن الظلاميين سيفون بعهودهم ويُبقون من وفر لهم الأرض والطعام والمسكن ومعاشاً شهريًا بعيداً عن دائرة العنف. يمتلئ التراب الأوروبي بكل صنوف «الجهاديين» والإرهابيين وأولهم عصابة «الإخوان» التي تتمتع بكل حماية ودعم رسمي وأمني من قبل حكومات الغرب. كيف يمكن للحكومات السيطرة على الساحة وهي تسلم أمر المساجد والمراكز لمن هم سبب البلاء؟ كيف لها أن تحمي مواطنيها بكل مِللهم ونحلهم وهي تغض الطرف ولا تفعل شيئاً يوقف لجوء المجرمين إلى أراضيها بدواعي حقوق الإنسان التي استغلت أبشع استغلال من قبل الظلاميين. تتم عمليات غسل الأدمغة بكل سهولة ودون اعتراض أمني، فيجتذب «الإخوان» الشباب ويعدونهم «دعوياً» لقبول فكرة «الجهاد» الخاطئ، تحت غطاء الدفاع عن الإسلام! ثم يسلمونهم بكل حب وود للحركات الجنينية كـ«القاعدة» و«داعش» وغيرهما. ولنعرف صحة ذلك يكفي أن نطلع على اعترافات كل من الظواهري بأن بن لادن «إخواني»، والقرضاوي بأن البغدادي عضو في جماعته. الحل ببساطة، لمكافحة الإرهاب هو تجفيف منابعه، وأولها رفض ومنع كل من تثبت علاقته بالحركات الإرهابية من دخول البلاد، وثانيها أن تنتفض المجتمعات الإسلامية داخل أوروبا وتقود حركة تصحيح ضد التطرف، وبذلك تنظف نفسها من عنف الظلاميين، وأن تتصالح مع واقعها، وهو أنها تعيش في مجتمعات ترفض التطرف وتفهم حرية التعبير بطريقة تختلف عن المجتمعات الإسلامية. كما يجب على الغرب عدم استفزاز المسلمين بتدخلات عسكرية غير مبررة كالعراق، أو أن يتم استفزاز المشاعر الإسلامية تحت دواعي الحرية. يكفي أن نعلم أن الولايات المتحدة، وعلى رغم دستورها المتفوق في حريات التعبير، ترفض التعرض للثوابت الدينية لأي ملة كانت. إن الوضع الحالي يفرض علينا جميعا نحن المسلمين من نعمل في الغرب ونتشارك مع أهله الأرض أن نقف بقوة ضد الظلاميين وأن نبذل الغالي والرخيص لقتالهم ونقف ضد آرائهم بطريقة حضارية رفيعة، ونحصن أبناءنا من تأثير الظلاميين ونقف في المسجد والمدرسة وبكل قوة ضد أي ناثر للفوضى والعنف، وأن تنبري منا جماعات في كل مكان تتواجد فيه لتأسيس مبادرات ضد العنف ولتصحيح الصورة عن الإسلام. عبدالعزيز الخميس: كاتب سعودي