منذ مباحثات مسقط في أواخر عام 2014 إلى اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية الأميركي بنظيره الإيراني في منتصف يناير 2015 لإجراء مفاوضات حول الملف النووي الإيراني للتوصل إلى اتفاق أخير بشأنه بحلول موعد المهلة النهائية المحددة في يوليو القادم، تشهد المسألة شداً وجذباً وإرهاصات وانفراجات تنعكس نتائجها على المنطقة الخليجية بشكل سيئ حتى الآن. والطرفان يبدوان متشددين في مواقفهما حول نقطتين رئيستين هما احتفاظ إيران بما تدعي بأنه حقها في التخصيب الداخلي لليورانيوم بنسبة 20 بالمئة فما فوق، وحول العقوبات الدولية المفروضة على إيران التي تصر واشنطن ومعها دول الاتحاد الأوروبي على عدم رفعها أو تعليقها بشكل كامل، بعد أن أدت إلى تأثيرات كارثية مدمرة وشلل شبه كامل للاقتصاد الإيراني، المتعثر أصلاً، من دون فرض العقوبات بالطريقة التي هي عليها الآن. المهم في المسألة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، وربما جميع دول الجوار الإيراني ودول المنطقة العربية وجوارها الجغرافي بما في ذلك إسرائيل وتركيا، هو أن البرنامج النووي الإيراني يُشكل أكبر خطر وتهديد وتحدٍ استراتيجي عاجل في تاريخ المنطقة. وكما هو قائم الآن، فإن الخطر من نشوب حريق إقليمي هائل آخذ في التزايد بسبب الممارسات والترتيبات والصور والأشكال والتغيرات التي تحدث في أوضاع العديد من نخب دول المنطقة السياسية، خاصة إيران ذاتها وسوريا والعراق وربما إسرائيل وتركيا. فسوريا ملتهبة وإيران تشهد صراعات قد تبدو راكدة الآن بين «المحافظين» المتشددين و«الإصلاحيين»، لكنها كالجمر تحت الرماد، وفي إسرائيل يتحكم الجناح اليميني المتخم بالخوف من البرنامج النووي الإيراني في مقاليد السلطة منذ مدة، دع عنك جانباً ما تشهده كل من العراق وتركيا من تقلبات سياسية منذرة بالخطر. أكثر هذه النخب تشنجاً هي النخبة اليمينية الإسرائيلية التي تربط مستقبل السلام مع الفلسطينيين بإنهاء البرنامج النووي الإيراني برمته ومن جذوره وبإنهاء كافة النشاطات النووية الإيرانية، خاصة تخصيب اليورانيوم في داخل إيران، وهي بهذا تقوم عملياً بوضع سياسة الولايات المتحدة الخارجية ودبلوماسيتها في المنطقة كأسير مرهون في مقابل قضية البرنامج النووي الإيراني. وأخذا بعين الاعتبار التحديات التي تشكلها السياسيات الإيرانية تجاه إسرائيل منذ ثورة عام 1979، والعداء المستحكم الظاهري الذي يبديه الجناح المتشدد من الساسة ورجال الدين الإيرانيين والمؤسسات المعضلية التي تقع تحت نفوذهم فإن تلك المواقف والسياسات تعطي إسرائيل الأعذار التي تبرر لها خوفها من البرنامج النووي الإيراني، وهي مخاوف لا يستطيع أي سياسي في الغرب تجاهلها أو تجاوزها، من دون أن يدفع ثمناً سياسياً باهظاً لمواقفه تلك يفرضه عليه الناخب في بلاده. من هذه المنطلقات، فإن الأوضاع في المنطقة مقبلة على مرحلة من عدم التيقن خاصة في الخليج العربي. فنظراً لنفوذ إيران الآخذ في الاتساع على ساحة العالم العربي وجواره الجغرافي، فإن تطورات مباحثاتها مع الولايات المتحدة الحالية والأوضاع الداخلية الإيرانية ستلقى بظلالها على دول مجلس التعاون الخليجي بشكل ثقيل جداً، خاصة إذا كان الجانب الأميركي لا يلقي بالاً إلى مصالح حلفائه وشركائه في المنطقة في مقابل التوصل إلى أي شكل من أشكال الحلول الممكنة قبل أن تخرج الإدارة الأميركية الحالية من السلطة. وربما أن من غير المرحب به، أنه في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة جاهزة للدفع إلى الأمام بصيغة شاملة لكي تحقق لنفسها علامات أفضل مع إيران تبدو دول المجلس حائرة في أمرها، وفي فهم النهايات الاستراتيجية لتصرف من هذا القبيل في نفس الوقت الذي تستمر فيه كل من إيران وإسرائيل في إطار عقليات مُنبئة بالخطر، تدخل فيها لعبة المعادلة الصفرية وحساباتها المدمرة التي تبقى قائمة إلى أبعد الحدود. وهي أمور قاسية جداً على أهل المنطقة في سعيهم نحو السلام والأمن.