ضمن سلسلة دراسات مترجمة في نسختها الرابعة والستين، نشر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، كتاب «الشراكات الاستراتيجية في آسيا توازنات بلا تحالفات»، لمؤلفته «فيديا نادكارني»، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة سان دييجو الأميركية. الباحثة قسمت كتابها إلى ثمانية فصول سلطت الضوء في مستهلها على القطبية الأحادية، وما تبدى من تفوق ساحق للقدرات المادية الأميركية، بالتزامن مع قوى نووية كالهند والصين وروسيا التي تسعى صراحة إلى تبوأ مكانة القوة الكبرى، والانضواء في منظومات أمنية خارج المنظومات الأميركية. وإذا كانت الصين تفصح عن «صعود سلمي»، وتفترض أن الولايات المتحدة ستبقى القوة العالمية المهيمنة لعقود مقبلة، فإنها في الوقت ذاته، تُطور قوتها البحرية، وتلتف على النفوذ العالمي بتحسين علاقاتها الثنائية مع الدول المجاورة والانخراط الفعّال في ترتيبات أمنية واقتصادية متعددة الأطراف، من أجل إقناع الدول الآسيوية بأن صعود بكين لا يشكل خطراً عليها. وخصصت «نادكارني» الفصل الثاني لـ«الشراكات الاستراتيجية في آسيا وأوراسيا»، مشيرة إلى أن الهند والصين وروسيا تتباهى بوجود عدة منظمات إقليمية من بينها: رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، ومنظمة شنجهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وجميعها تعد أطراً من خلالها يمكن تحقيق التعاون الشامل في المستقبل. أما الفصل الثالث فحمل عنوان «الشراكة الصينية- الروسية»، التي بدأت في أبريل 1996، ووصفها الصينيون آنذاك بـ«النموذج الأمثل» للعلاقات بين القوى الكبرى في فترة ما بعد الحرب الباردة. وهذه الشراكة كانت نتاج خطوات تمهيدية ظهرت في اتفاقيات ترسيم الحدود في عامي 1991 و1994، وتعززت هذه الشراكة جراء تلاقي الرؤي الاستراتيجية المشتركة المتمثلة في مواجهة الهيمنة الأميركية والسعي لتعددية قطبية. وفي ظل حالة من عدم اليقين فرضتها السياسة الأميركية، اتجهت موسكو إلى تعزيز علاقاتها مع الهند التي تعتبرها الولايات المتحدة «حليفاً طبيعياً»، ما أدى أيضاً إلى تحرك بكين لتكثيف علاقتها مع نيودلهي. وعن الشراكة الهندية - الروسية، جاء الفصل الرابع منوهاً إلى أن الشراكة الاستراتيجية بين الهند وروسيا والموقعة عام 2000 كانت تجديداً لعلاقات سياسية راسخة تعرضت للركود خلال السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفييتي، والسنوات الأولى من عمر روسيا الاتحادية، فجذور العلاقات بين الطرفين تعود إلى عام 1971، حيث معاهدة الصداقة والتعاون السوفييتية- الهندية. الشراكة الراهنة تقوم على تعاون عسكري واسع النطاق ورؤية مشتركة لنظام عالمي جديد، تعاونٌ تجاوز مبيعات السلاح ليبلغ مرحلة المناورات العسكرية المشتركة، مثل المناورات البحرية في 2003 التي عكست اعترافاً روسياً بالأهمية الاستراتيجية للمحيط الهندي. وشارك الروس والهنود في مناورات أخرى في 2005 و2007. لكن روسيا غير مرتاحة من التقارب الهندي المتزايد مع الولايات المتحدة، وخصصت «نادكارني» الفصل الخامس من الكتاب، لـ"الشراكة الصينية-الهندية"، التي جاءت في أبريل 2005 لتتوّج عملية طويلة من التحسن البطيء في العلاقات بين بكين ونيودلهي، فمنذ عام 1998 توترت هذه العلاقات جراء تجارب الهند النووية، لأن وزير الدفاع الهندي صرّح آنذاك بأن هذه التجارب كانت في جزء كبير منها رداً على التهديد الصيني. لكن الطرفين دفنا رواسب الماضي، من أجل توسيع خياراتهما الاستراتيجية في بيئة القرن الحادي والعشرين. وتساءلت الكاتبة في الفصل السادس عما إذا كانت المنافسة ستحرف التعاون عن مساره، منوهة إلى أن المشاركة في عمليات العولمة الاقتصادية وفّرت «وعداً كاذباً» بنمو اقتصادي يرافقه ارتقاء متعاظم في المكانة والقوة، وهي أهداف تسعي إليها الصين والهند وروسيا بدأب. وجاء الفصل السابع طارحاً تساؤلاً مؤداه: آسيا واحدة أم أكثر؟ ليؤكد أن جهود التعاون في آسيا شملت منطقة جنوب آسيا وآسيا الوسطى وشرق آسيا، لكن تم اختراق مناطق التعاون بدول أخرى من خارجها، فباكستان اقترحت دخول الصين كعضو مراقب في رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، ما دفع الهند إلى دعم دخول اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كأعضاء مراقبين في الرابطة ذاتها، وبالمثل أدت مصلحة روسيا في منح الهند صفة «مراقب» في «منظمة شنجهاي» إلى جعل الصين تدعم دخول باكستان إلى المنظمة بالصفة ذاتها، ما يعكس سياسات تنافسية تدفع باتجاه بيئة أمنية متعددة الأطراف. وفي الفصل الثامن والأخير المعنون "ما الذي يخبئه المستقبل؟"، استنتجت الكاتبة أن صعود الصين إلى مكانة "القوة العالمية" سيؤثر في اتجاه العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، وأن الشراكة الهندية- الصينية هي الأكثر هشاشة مقارنة بشراكات البلدين مع دول أخرى بسبب المشروع الوطني غير المكتمل في كلا البلدين. طه حسيب الشراكات الاستراتيجية في آسيا توازنات بلاتحالفات المؤلف: فيديا نادكارني الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2014