ضمن سلسلة الكتب الثقافية الشهرية التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت صدرت للمجلس في ديسمبر 2014 الترجمة العربية لكتاب مهم عن اللغة الإنجليزية لعالم طبقات الأرض «سكوت. ل. مونتجمري»، الذي جاء تحت عنوان «هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية- اللغة الإنجليزية ومستقبل البحث العلمي». وأهمية هذا الكتاب تكمن في السؤال الذي حاول المؤلف طرحه منذ البداية والإجابة عنه من خلال الجزء الأكبر من الكتاب، مبيناً العلاقة العميقة التي تربط اللغة الإنجليزية بموضوع العلم، والتي ظل منذ عقود عدة يدور حولها الكثير من النقاش في العديد من المؤتمرات اللغوية. ولا يتوقف مونتجمري في كتابه عند حدود تفسير وشرح هذه المسألة وطرح العديد من الأسئلة حولها، بل إنه ينتقل بنا إلى الحديث عن النهوض الذي حققته اللغة الإنجليزية، وأسباب الانتشار والتطور الواسع على مستوى العالم الذي حدث لهذه اللغة منذ بداية العقد الأول من القرن العشرين، حيث لم تكن حتى تلك الفترة سوى واحدة من لغات عدة مهمة، وهي الألمانية والفرنسية والروسية في مختلف العلوم. ولكن هذا المشهد تغير بسرعة بعد بروز قوة الولايات المتحدة العسكرية والسياسية والاقتصادية، وعلى الأخص لأهمية الإنجازات العلمية التي توصل إليها علماء الولايات المتحدة، والتي كانت هي المحرك الأساسي لهذه القوة. وكان هذا التطور واضحاً منذ بداية الثمانينيات من القرن العشرين عندما وصلت نسبة النشر العلمي الدولي باللغة الإنجليزية إلى 70% ثم ارتفعت النسبة إلى 90% في التسعينيات، وأصبحت لغة يتحدث بها نحو ملياري شخص في أكثر من 120 بلداً. وقد حاول الباحث من خلال هذا الاستكشاف والتشخيص لحالة اللغة أن يبين لنا الدلالات المتنامية لهذه اللغة من خلال العوامل التي أسهمت في هذا التطور، وأدت بهذه اللغة إلى أن تحصل على حيز واسع من الانتشار، حيث يلخص مونتجمري هذه العوامل في: التوسع والعولمة الاقتصادية، وفي الأحداث الجغرافية السياسية مثل نهاية الشيوعية السوفييتية، والمخاوف حول الإمداد بالطاقة، والجهود الدولية الرامية لمواجهة المشكلات العالمية مثل الفاقة والمرض، وخسارة التنوع الحياتي وتغيير المناخ والكوارث الطبيعية. وأيضاً التوسع في حقول المعرفة الدولية العلمية والهندسية والطبية. ويرصد المؤلف المبالغ التي يتم تحصيلها من هذا التوسع والانتشار اللغوي للغة الإنجليزية في العالم، التي وصلت إلى مبالغ ضخمة، حيث أصبح العمل في تعلم وتعليم اللغة الإنجليزية صناعة عالمية تدر على الولايات المتحدة مبالغ كبيرة، وصلت حسب الأرقام المدونة في هذا الكتاب إلى خمسين مليار دولار في العام. أي أن قوة الولايات المتحدة اللغوية تفوقت على قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، من ناحية التأثير والجاذبية والربح المادي. ويطرح المؤلف أسئلة عديدة من أهمها: هل ستستمر الإنجليزية لغة عالمية حيث إن صورة المهددات والأخطار التي أصابت العديد من اللغات العالمية على مدى التاريخ قد تصيب اللغة الإنجليزية؟ فهو مثلاً يتوقع أن القرن الحادي والعشرين لن تسيطر عليه لغة واحدة كما يحدث الآن للغة الإنجليزية، بل إن هناك خمس لغات أو ستاً ستكون هي محور الاهتمام في التواصل الدولي هي: الإسبانية والعربية والفرنسية والإنجليزية والروسية والصينية، لأن اللغة يصيبها ما قد يصيب الحضارات عندما تصعد بقوة ثم بعد ذلك تمر بمرحلة الأفول والسقوط! فاللغة الفرنسية مثلاً: كانت ذات شهرة واسعة في القرن الثامن عشر ولكنها تلاشت بعد مئة عام بسبب الحروب والثورات الاجتماعية والنزعة الصناعية في بداية القرن التاسع عشر، وبقيت لغة شبه إقليمية. ويوضح الكاتب مونتجمري أيضاً نقطة جوهرية مهمة أخرى هي أن اللغة قد تكون إقصائية، وذلك من خلال تفسيراته المتضمنة العديد من الأسئلة وأهمها: هل تتدخل الحكومات والشركات الأميركية والبريطانية لاستعمال اللغة الإنجليزية كوسيلة للاستعمار الاقتصادي؟ هل حققت مثل هذه القوة بحيث تتصرف الآن لإضعاف اللهجات المحلية في كل مكان؟ وبهذا المعنى هل صارت «لغة قاتلة فعلية» قادرة على «الإبادة الجماعية اللغوية»؟ هذه الأسئلة التي ساقها المؤلف تبدو أسئلة في غاية الأهمية.