زعم نتنياهو خلال مراسم تشييع اليهود الأربعة الذين قتلوا في باريس «أن اليهود يعلمون من عمق قلوبهم أنه توجد لهم دولة واحدة وأرض واحدة وهي إسرائيل، مولدهم وتاريخهم، التي تحتضنهم دائماً في أيدٍ مفتوحة كأبناء محبوبين». وأضاف: «اليوم أدرك أكثر من أي وقت مضى أن إسرائيل هي البيت الحقيقي لنا كلنا». وفي سياق مختلف، شدد رئيس الدولة الصهيونية «رؤوفين ريفلين» في رسالة إلى زعماء أوروبا خلال المراسم على أن «قدوم اليهود إلى إسرائيل يجب ألا يكون نتيجة خوف وخضوع للإرهاب، وإنما من اختيار حر، خالٍ من الذعر». أما «يوسى بيلين» عضو الكنيست والوزير الأسبق، فقد تساءل في مقال بعنوان «يجب تقديم تسهيلات للمهاجرين.. وليس إقناعهم بالرحيل»: «هل من الصائب الآن دعوة يهود فرنسا إلى الهجرة لإسرائيل؟ وهل هذه الدعوة إنقاذ من القتل! كما قال رئيس إدارة الوكالة اليهودية ناتان شارنسكي؟ وهل من الممكن أن يتحول الحدث الإرهابي البشع إلى فرصة»؟ هذه تصريحات مستفزة أطلقها قادة إسرائيليون كعادتهم في محاولة استغلال أي حدث خارجي في مصلحة الدولة الصهيونية، للإيهام بأن اليهود في العالم لا يزالون هم المضطهدون في الأرض! وفي رد فعل على ذلك، ثار غضب رئيس الوزراء الفرنسي «مانويل فالس» تحديداً ضد الدعوة التي أطلقها نتنياهو ليهود فرنسا، وأعلن أن «فرنسا هي وطن اليهود، وأنها من دون اليهود الفرنسيين لن تكون فرنسا». بل إن «حاييم كورسيا» كبير الحاخامين في فرنسا قال في عظة ألقاها في المعبد اليهودي الكبير في باريس: «فرنسا هي بلدنا ولغتنا وأحلامنا وأملنا في المستقبل». ويهود فرنسا هم أكبر جالية يهودية في أوروبا (550 ألفاً). وفي عام 2014، أصبحت فرنسا أكبر دول العالم في «تصدير» الهجرة إلى إسرائيل حيث هاجر إليها 7000 يهودي أي أكثر من مثلي عدد المهاجرين منها في 2013. وقدرت «الوكالة اليهودية» أن العدد الإجمالي في 2015 سيبلغ عشرة آلاف، لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون الآن إن العدد قد يصل إلى 15 ألفاً نتيجة للهجمات. ولكن الوجه الآخر من العملة، أنه، أيضاً، وبحسب «الوكالة اليهودية»، فإن ما نسبته «20% من المهاجرين الفرنسيين يعودون في غضون خمس سنوات. بل، ويختار بعض رجال الأعمال من ميسوري الحال نقل عائلاتهم إلى إسرائيل وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بوظائفهم في فرنسا والسفر لزيارة العائلات في العطلات الأسبوعية». ومن جانبها، أجابت صحيفة «هآرتس» عن أسئلة كثيرة عبر رسم كاريكاتيري اختصر الموقف، حيث ظهرت في الرسم مجموعة من يهود فرنسا وقد استجابت لدعوات قادة إسرائيل وهاجرت من بلدها ليستقبلها على بوابة كبيرة تشبه بوابة المعتقلات أو المعسكرات «نفتالي بينيت» الذي يحمل بندقية رشاشة ونتنياهو الذي يشبه مدير أحد السجون أثناء استيعاب دفعة جديدة من المعتقلين. وأطلت من بوابة السجن الذي يمثل إسرائيل فوهتان لمدفعين فيما أحاطها جدار مرتفع اعتلاه جنود مسلحون وصواريخ ونقاط رقابة. وكأن «هآرتس» تريد أن تقول ليهود أوروبا، وليس يهود فرنسا فحسب، أهلًا وسهلًا بكم داخل السجن الإسرائيلي المحوط بجدران الإسمنت المرتفعة وجدار الخوف الدائم. وفي هذا السياق، اعتبر المسؤول الأول عن يهود ألمانيا «جوزف شوستر» أن «اليهود الأوروبيين لن يكونوا أكثر أمناً في إسرائيل منهم في أوروبا في حال هجرتهم». وأضاف: «إن الناس في إسرائيل مهددون بهجمات "إرهابية". أنا لا أعتبر أن العيش في إسرائيل أكثر أمناً منه في أوروبا خصوصاً في ألمانيا». وإسرائيل اليوم دولة تسيطر عليها زعامات متطرفة دينياً، ومتعصبة، وقصيرة النظر بالنسبة للمستقبل، حتى بات كثير من الإسرائيليين وبصورة متزايدة يفكرون في الهروب منها. وهذا ما تؤكده استطلاعات متكررة للرأي العام الإسرائيلي. كما أن الصورة «الديمقراطية» التي «ميزت» إسرائيل منذ 1948 في أذهان العالم الغربي بالطبع، اختفت، وهي اليوم دولة تواجه العزلة على الساحة الدولية أكثر من أي وقت مضى، وأصدقاؤها وحلفاؤها يتضاءلون وسط جهود متسارعة لنزع الشرعية عنها مع تصاعد العداء للسامية في جميع أنحاء العالم. وكل ذلك استثار الاستياء في أوساط جماهيرية عالمية واسعة شملت أعداداً متزايدة في الجاليات اليهودية على امتداد العالم وبخاصة في الولايات المتحدة الأميركية. كما أن إسرائيل أيضاً ليست أكثر أماناً من فرنسا، ولن تكون كذلك، في ظل استمرار جنون هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي لا تزال تصر على عدم رؤية قبح ممارساتها وسياساتها حيث نراها تتوغل بعيداً في العقلية التوسعية العدوانية العنصرية ذاتها، وتترجم ذلك على الأرض بارتكاب مجازر دموية ضد الإنسان والأرض في فلسطين التاريخية. وكل ذلك ينتج حروباً، فأين الأمان إذن في «إسرائيل»؟!