مرّت زيارة رئيس الوزراء العراقي لمصر من دون أضواء كثيرة، رغم أهميتها وأغراضها. وإذا كان لها أن تؤكد نهج «الانفتاح» على العرب، فإن الرسائل التي حملها حيدر العبادي تتعلّق أكثر بالدعوة إلى علاقات بين مصر وإيران، وإذا حصل يصبح خط بغداد - القاهرة أكثر سلوكاً وأماناً. كان لافتاً أن أول زيارة قام بها سامح شكري، وزير الخارجية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، كانت لبغداد ولمقابلة نوري المالكي، يوم لم يكن أحد يود مصافحة هذا الرجل، ولأسباب معروفة، فهو المسؤول الأول والأخير عما حلّ بالعراق تحديداً طوال العام 2013 وحتى منتصف 2014 عندما أصدر الأمر إلى الجيش العراقي كي ينسحب من الموصل متقهقراً أمام مقاتلي «داعش». من الواضح أن موضوع محاربة الإرهاب وتبادل المعلومات بشأنه كان ولا يزال غالباً. وبعدما اختير حيدر العبادي وغداة تشكيل حكومته ونيله ثقة البرلمان كان خروجه الأول إلى طهران، كما هو متوقع. ورغم كلام كثير قيل على هامش ولادة الحكومة، عن الانفتاح عربياً، إلا أن العبادي فهم أن هذا الانفتاح ينبغي أن يوزن بعناية فائقة لئلا يتناقض مع الاستراتيجية الإيرانية. ولذلك فإن زيارته للكويت لم تمسّ أي حساسيات، في حين أنه بدا مفضَّلاً أن يقوم رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ثم رئيس مجلس النواب سليم الجبوري بزيارة المملكة العربية السعودية، ورغم مكانة الرجلين إلا أن القرار في بغداد هو لرئيس الحكومة، بحسب توزيع الصلاحيات وفقاً للدستور. وفي الأساس ما كان «الانفتاح عربياً» ليُطرح لو لم يكن هناك إقرار بأن هناك قطيعة وانغلاقاً عقبا الاحتلال الاميركي وبرغبة أميركية موازية لهوى أنصار إيران والكرد الذين تصرّفوا كمن لديه ثأر من العرب. لكن واشنطن أبلغت الجميع أخيراً وجوب مباشرة الانفتاح على العرب، كأحد شروط مشاركتها في الحرب على الإرهاب. إذاً، كانت زيارة القاهرة أول اختبار للعبادي، وكل ما استطاع الدفاع عنه أن حكومته في صدد «التقليل من السلبيات» الداخلية، فما سمعه من شيخ الأزهر كان واضحاً في أن العرب يريدون العراقيين متعايشين بسلام ومتشاركين في كل المجالات، لكن الحاصل هو أن طائفة واحدة هي السنّة تعاني الإقصاء والتهميش وكانت عانت من انتهاكات جيش المالكي ثم ابتليت باجتياح «داعش» لمناطقها، بل إن الدكتور أحمد الطيّب طالب المراجع الشيعية بإصدار فتاوى تحرّم سفك الدماء والطعن في الصحابة ورموز السنّة. هنا طرح العبادي فكرة طيبة لتجديد تقارب قديم بين الأزهر والحوزة العلمية في النجف، علّه يساهم في تخفيف الاحتقان. لكن المرجعيتين تحتاجان إلى إسناد سياسي قد يجده الأزهر في سياسة مصرية لا أجندة طائفية لها، أما مرجعية النجف فلا تستطيع الخروج من أجندة إيران المعتمدة إلى حد كبير على الشحن المذهبي. لكن المفاجئ في محادثات العبادي وتصريحاته في مصر أن زيارته بدت كأنها مخصصة للبحث في الأزمة السورية. لم يكشف الجانب المصري عن فحوى المحادثات في هذا الشأن، أما العبادي فتحدث عن «تقارب المواقف بالنسبة إلى حل يتعايش فيه النظام (السوري) مع المعارضة السلمية»، أي وفقاً لصيغة الهدنات المحلية التي عقدها النظام مع مناطق كان فرض عليها حصاراً تجويعياً وطبياً. بل إن «الاهرام» نقلت عن العبادي أن هناك «توافقاً (مع مصر) على إنشاء إدارة انتقالية مشتركة في المناطق السورية التي يتم تحريرها من قبضة داعش تجنباً لحصول فراغ». لا شك أن هذه الأفكار إيرانية وتولّى العبادي نقلها، لكن لم يُعرف ما إذا كان العبادي قدم أي أفكار بشأن ما يعتزمه بالأحرى في العراق، حيث لا تقل المشاكل صعوبة عما هو حاصل في سوريا. وللدلالة على ذلك يمكن التذكير فقط بشكاوى العشائر السُنّية من عدم حمايتها من هجمات «داعش» والميليشيات الشيعية، وكذلك بتقويم للوضع أجراه ائتلاف «الوطنية» بزعامة إياد علاوي (نائب رئيس الجمهورية لشؤون المصالحة الوطنية)، إذ دقّ ناقوس الانذار بأن حكومة العبادي لم تتمكن من تحقيق الكثير من بنود برنامجها، خصوصاً الاجراءات المطلوبة لدعم المصالحة الوطنية.