يتابع المعارضون السوريون اليوم لقاءاتهم في القاهرة للبحث عن رؤية مشتركة لحل سياسي للقضية السورية، التي تواجه طرقاً مسدودة من كل الجهات. وتبدو الإيجابية الأولى من لقاء القاهرة في كونه فرصة للم شمل المعارضين، الذين اختلفت رؤاهم وفرّقتهم الولاءات المتعددة، وانعكست عليهم خلافات الآخرين، وفقد بعضهم مع الظروف العصيبة التي تتعرض لها القضية السورية بوصلة الأهداف، ولاسيما بعد أن تمكن الإرهاب من اختطاف الثورة السورية، وبعد أن تحولت وجهة الدول الكبرى إلى محاربة الإرهابيين وتُرك الشعب النازح والمشرد والمعتقل يتعرض بشكل يومي لمزيد من القتل والتدمير دون بصيص أمل في حل لقضيته. والإيجابية الثانية التي يتفاءل بها المعارضون هي العودة إلى مصر، فالدعوة إلى اللقاء جاءت من مصر، ومن المجلس المصري للشؤون الخارجية، وهي فاتحة تصاعد اهتمام وزارة الخارجية المصرية بالقضية السورية، وتصاعد حضور مصر في القضايا العربية والإقليمية الكبرى، ولمصر في قلوب السوريين مكانة رائدة، يتطلع من خلالها السوريون جميعاً بتفاؤل واستبشار لعودة قضيتهم إلى (البيت العربي) بعد أن جعلها التدويل عرضة للضياع والعبث. والإيجابية الثالثة في كون هذا اللقاء يسبق لقاء موسكو التشاوري، ولابد أن تنعكس التفاهمات بين قوى المعارضة بأيام قليلة، ووحدة موقفهم (إن توصلوا إلى رؤية موحدة) على ما سيدور في موسكو من رؤى أخرى لحل سياسي. وقد فتحت النقاشات بين المعارضين كل الملفات وأثرى النقاش بينهم إحساسُ الجميع بحجم المسؤولية الملقاة على عاتفهم، بعد أن وصلت معاناة الشعب إلى حدود غير مسبوقة تاريخياً، وقد أضفت عليها العواصف والأعاصير مزيداً من الفواجع. ويصر المعارضون على أن الحل يجب أن يكون بيد السوريين أنفسهم، فهم وحدهم من يحق لهم أن يحددوا مستقبل بلدهم، وهم يرون في التدخل الإيراني و«حزب الله» نوعاً من الاحتلال حيث باتت هذه القوى هي صاحبة القرار، كما أن انتظار تدخل الدول الكبرى ومجموعة أصدقاء سوريا لحسم القضية هو خطأ واهم، وقد تراكمت سلسلة الأخطاء الفادحة على ضفاف القضية وفي كل نواحيها حتى صارت سوريا ملعباً دولياً للمتطرفين، الذين جعلوا القضية السورية مسرحاً لكل عابث ولاعب يبحث عن دور وعن مصلحة، وبات حلم السوريين بالخلاص بعيد المنال. ولعل أهم ما يتوافق عليه الكثير من المعارضين هو اعتبار الحل السياسي وحده الوسيلة لتحقيق مطالبهم في التغيير الجذري، بما يجعل انتهاء القتال خطوة أولى تؤكد قناعة الجميع بأن الدم لن يلتم، ولن ينتصر فريق على الآخر عسكرياً، ومهما طال أمد القتال فلابد للمتحاربين من الجلوس أخيراً على طاولة المفاوضات، والخاسر الكبير في استمرار هذا القتال هو سوريا التي تهدمت ودمرت مدنها وقراها ومؤسساتها التي بناها الشعب بجهده وماله وكل طاقاته، وشعبها الذي أهرق دمه وتشرد في فيافي الأرض باحثاً عن ملجأ ومأمن. والحلول السياسية المطروحة ليست أوهاماً لأنها جميعاً تستند إلى وثيقة جنيف وتلتزم بما تم إنجازه، ولكن تم تأجيله، وفي كل تأجيل مزيد من الخسائر البشرية ومن الدم المراق. ويتطلع المجتعمون في القاهرة اليوم إلى أن يكون لقاؤهم خطوة للتحضير لمؤتمر وطني عام يناقش ما تم التوصل إليه من خرائط الطريق نحو الحل السياسي، ويشارك فيه ممثلون عن كل شرائح المجتمع السوري، وقوى الثورة والمعارضة كي تأتي نتائجه بالتوافق الشعبي الأعظم، حيث لا يملك أحد سلطة اتخاذ قرار مستقبلي في غياب التمثيل الشعبي. ويدرك السوريون خطر الإخفاق الذي سيهدد سوريا بالتقسيم، وبالغرق في مستنقع الإرهاب الذي يسيطر اليوم على مساحات واسعة من الأرض السورية، ويجد بعض ضعاف النفوس فيه فرصة لاقتطاف أجزاء من سوريا. والتوجه للحل السياسي يقتضي مقدمات تعبر عن (النوايا الحسنة) وأهمها سحب كل القوى المسلحة من المدن ومناطق الاشتباك، وإطلاق سراح المعتقلين، وعدم حرمان السوريين من حقهم في الحصول على جوازات السفر، وإنهاء الحرب الإعلامية التحريضية لبث روح الأمل بإمكانية الخلاص، وبدء مسيرة التغيير الجذري لبناء دولة مدنية ديمقراطية، وإنجاز عقد اجتماعي جديد يجعل المواطَنة وحدها عمود الانتماء إلى الوطن.