لا أذكر أين قرأت أن لكل مدينة كلمة سر، وكل ما يحدث فيها يدور حول تلك الكلمة المفتاحية، كأن تكون كلمة السر في نيويورك مثلاً هي المال، وكلمة بيروت هي السياحة، ويبدو لي أن للإنسان كلمات مفتاحية يدور في فلكها، وليس مجرد كلمة واحدة، إذ يظل الإنسان أكثر تعقيداً من مدينة يمكن فهم ما يدور بداخلها بكلمة مفتاحية. ولنفترض أن أحدهم يحتفظ في رأسه بمقولة «كلام جرايد» مثلاً، فإنه غالباً ما يستخف بما تنشره الصحف أو يشكك فيه، ويؤثر هذا في رؤيته لأخبار ومقالات الصحف، ولقيمة الصحافة، ولدور الصحفيين، فوراء كل مقولة سلسلة من المفاهيم، وكل مقولة تدفع صاحبها إلى اتخاذ مواقف معينة. كما نستطيع توقع رأي من يردد في داخله مقولة «المرأة نصف المجتمع» في مسألة مشاركة المرأة في الفضاء العام، ويمكن أن نعرف تقييمه للأخبار المغلوطة إذا كان أسيراً لمقولة «لا دخان من دون نار». ومن يردد في خاطره مقولة «لحوم العلماء مسمومة»، فهو غالباً ما يحصر وصف العلماء بمشايخ الدين، وربما يعتبر «آينشتاين» مجرد رجل ذكي توصل لمجموعة من المعادلات، كما أنه يختزل العلم في العلوم الشرعية، وهو غالباً ما يرفض توجيه، أي نقد لأقوال من يتصور أن لحومهم مسمومة، ولا يجرؤ على محاكمة ما يسمعه منهم، على الأقل بينه وبين نفسه. ومثل هذا يحدث مع مقولة «ملّة الكفر واحدة»، وهي من الثوابت الوهمية كما وصفها المفكر الإسلامي الراحل زين العابدين الركابي في مقالة له، استعرض فيها أدلة قرآنية وعملية عديدة تفرق بين غير المسلمين ولا تحشرهم جميعاً في زاوية واحدة. لكن الذي يستحضر تلك المقولة كلما رأى خريطة العالم أو طالع نشرة الأخبار، فقد يضع السويد وإسرائيل في خندق واحد، وربما لا يختلف في نظره قرار منع بناء مأذنة في بلد أوروبي، من حيث الدافع وراء القرار، عن إبادة الأقلية المسلمة في ميانمار مثلاً، ناهيكم عن صعوبة تقبّله بعض الآراء التي تعرّف الكفر بغير التعريف الشائع بين الناس. وكل هذه الأفكار التي تقف وراء تلك المقولة، تنعكس بالبداهة على تصرفاته. العبارات المفتاحية هي المدخل إلى طريقة تفكيرنا ورؤيتنا للأمور من حولنا، وكلما كانت المقولة أقل صواباً أدت إلى نتائج أكثر خراباً، إذ كما يقال: أقوالنا هي أفكارنا، وأفكارنا هي أفعالنا. وبطبيعة الحال، هناك عبارات أو مقولات إيجابية، وحيوية، وعقلانية، وتدعو للتفاؤل، أو تحث على الخير، أو تشحذ الهمة، أو تعلي من شأن العمل، مثلما هناك عبارات على العكس من ذلك، ولها مفعول عكسي ومدمر. ومن المهم، في خضم هذا الخراب الفكري الذي يعم هذه المنطقة، والعقول المقفلة بمفاتيح ما أنزل الله بها من سلطان، أن نعرض أقوالنا وعباراتنا المفتاحية على طاولة السؤال والمحاكمة، لتنصرف عن رؤوسنا كل مقولة غير صحيحة، وتنصرف معها المفاهيم التي تقوم عليها.