ليس بالمظاهرات الحاشدة، ولا بكلمات التنديد، ولابتخريب المنشآت العامة وقتل الأبرياء يمكن للمسلمين أن يحلّوا «عقدة» الاختلاف بينهم وبين العالم الغربي، الذي يختلف عنهم فكراً وثقافة ورؤى متباينة للتراث والدين، وأيضاً للحرية! وليست في إطلاق البرامج الفضائية لبرامج التحريض ضد الآخر، وإذكاء الحمية الغبية، وزيادة وتيرة العداء للآخر – غير المسلم – يمكن «جسر» الهوة الثقافية بيننا وبين الغرب. وكما قلنا في مقال سابق، فإن الإساءة التي نشرتها جريدة شارلي إيبدو الفرنسية لا يمكن أن يقبلها العقل، وهي عمل مدان وغير أخلاقي وغير مهني، ولكن في المقابل علينا أن نُقر بأن الطريقة التي انتهجها مهاجمو مقر الجريدة (وهم فرنسيون من أصول عربية وإسلامية)، وقتلهم 12 صحفياً أيضاً ليس له ما يبرره، وهو عمل مُدان وغير أخلاقي وغير إنساني! قد لا نختلف على أنه يوجد عداء بين الفرنسيين والمسلمين، حيث يبلغ عدد المسلمين في فرنسا نحو 8 ملايين شخص، جاء جلهم من شمال أفريقيا، وساهم أجدادهم في عملية البنى التحتية في فرنسا! على الرغم من أن 30% من هؤلاء المسلمين يمارسون شعائرهم الدينية، ولكن ينالهم ما ينال بقية المسلمين– الذين يمارسون شعائرهم المعتادة – من حالات «ازدراء» وتحقير، ذلك أن الإعلام الفرنسي والأوروبي عامة، يعمم القضايا – جهلاً وتسرعاً – ويُدخل المجتمع في متاهات ودوائر الاستغلاق لرفض الآخر وازدراء (العرق) مهما كان هذا العرق نقياً أو تقياً. ولا أدل على ذلك من موقف وزير الخارجية الفنلندي الذي تساءل – في حوار مع الصحافة الفنلندية –«إذا سخرتَ من السود فإنها عنصرية، وإذا سخرت من اليهود فإنها معاداة للسامية، ولكن السخرية من الإسلام هي حرية تعبير»! وهذا يُدلل على ما ذهبنا إليه من أن القضية ثقافية في المقام الأول. نحن لا نختلف على أن الفكر المتطرف موجود بقوة في بلدان أوروبا؛ التي تتمتع بالحرية وبحق ممارسة حرية الاعتقاد والتظاهر، ويأتي هذا الفكر عبر عرب ومسلمين متشددين هربوا من مجتمعاتهم وحكوماتهم السلطوية بحثاً عن الأمن والحرية والعمل، ولكنهم لم يستطيعوا الاندماج في تلك المجتمعات. ويرى بعض المحللين أن الجيل الثالث من المهاجرين العرب في فرنسا يعاني من مشكلة (هوية)، فهو ليست لديه ركائز أسرية، وفقد المواطنة ورغبة في التعايش مع المجتمع، لأنه يعتبر أن المجتمع ظلمهُ وظلم من قبله والديه، ويعتقد بضرورة الثأر منه، عن طريق تجسيد أفكار متطرفة وجهادية. وبرأينا أن هذه الحقيقة لا بد وأن تُدرس بعناية حتى لا تكون الأحكام متسرعة وقاسية على كلا الطرفين (المسلم والغربي)؛ لأن الشعور بالظلم لا يمكن أن يُحل عبر الدخول في دوائر العنف والاعتداء على الآخر، بل لا بد من علاج المشكلة قانونياً وإدارياً ونفسياً. فهؤلاء العرب – الذين ينفذون أعمالاً إجرامية – هم فرنسيون، قبلت فرنسا أم أبت، وهم من الجيل الثالث من المهاجرين ويتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها الفرنسي الأصيل، ولا يمكن طردهم من بلادهم تحت أي دعاوى. ولتضييق الدائرة على منابع العنف في أوروبا كلها، يجب دراسة المسببات ككتلة واحدة، دون تجزئة الحوادث، ثم ربطها- عنوة - بالإسلام. ما شهدته ألمانيا في الأسبوع الماضي من مظاهرات تزعمها الرئيس الألماني (يواخيم غاوك) والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورؤساء اتحادات المسلمين، تعبيراً عن رفض أفكار معاداة الإسلام، من الوسائل التي يجب استثمارها لردم الهوة بين مفهوم الغربي للإسلام ومفهوم المسلم المعتدل للإسلام! ولابد لوسائل الإعلام العربية – خصوصاً الناطقة بالإنجليزية والفرنسية – استثمار مثل تلك الوقفة، من أجل تبصير المجتمع الأوروبي بحقيقة الإسلام المختلفة جداً عن حقيقة الإرهاب أو العنف عموماً. تماماً كما هو الموقف في فرنسا، عندما أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن بلاده في حرب ضد الإرهاب، وليس ضد أية ديانة أو ضد المسلمين أو الإسلام. إن رد دار الإفتاء المصرية على حادثة الاعتداء على صحفيي الجريدة الفرنسية التي أساءت للرسول صلى الله عليه وسلم، كان معتدلاً وعقلانياً، ودعا البيان إلى «التحلي بالهدوء وتفادي الردود الانفعالية» ! ونحن نعتقد أن هذه يجب أن تكون (قاعدة ذهبية) للتعامل مع كل من يُسيئ للإسلام أو المسلمين. أما صب الزيت على النار، واللجوء إلى العنف، فلن يحرق إلا بني جلدتنا في أوروبا وأميركا.