بينما واصلت أسعار النفط انخفاضها الأسبوع الماضي، كان من المفيد رؤية ردود الفعل المختلفة لثلاث حكومات من المحتمل أن تنتج خسائرُها الكبيرة بعضاً من أبرز القصص الدولية لـ2015. فقد كانت هناك هرولة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي فوّت خطابَه حول «حالة الاتحاد» من أجل جولة يائسة في العالم بحثاً عن قروض أو وعود بـ100 دولار لبرميل النفط. ولكنه لم يحصل على أي منهما، حتى في وقت راجت فيه شائعات حول ما إن كان سيُسمح له بالبقاء في منصبه بعد عودته للبلاد. كما كان ثمة الرد الهادئ لفلاديمير بوتين، الذي أعلن وزراؤه عن تخفيضات جذرية في الإنفاق الحكومي – باستثناء الدفاع. وفي الأثناء، شنت قوات روسيا بالوكالة هجوماً جديداً في شرق أوكرانيا، ثم هناك انخراط وزير الخارجية الإيراني الحماسي في المفاوضات حول اتفاق نووي يفضي إلى رفع العقوبات الأممية على إيران. وقد أتى ذلك بعد جدل في طهران بين رئيس البلاد والمرشد الأعلى حول ما إنْ كان ينبغي على إيران السعى وراء انفتاح على العالم أو تنتهج «اقتصاد مقاومة» أقل اعتمادا على النفط. هذه النماذج عكست بوضوح الرهان في واشنطن على العواقب المحتملة لانخفاض مستمر في أسعار النفط بالنسبة لفنزويلا وروسيا وإيران، الدول المشاغبة الثلاث التي تعتمد على صادرات الطاقة لما يتراوح بين 68 في المئة و95 في المئة من عائداتها الخارجية. ففنزويلا تبدو على حافة أزمة سياسية؛ وبوتين سيحاول التصدي لاضطرابات داخلية بمزيد من الاعتداءات الخارجية؛ هذا في حين تواجه إيران اختيارا مصيريا بين نسج حبل نجاة مع الولايات المتحدة وأوروبا، وتبني العزلة والتقشف عن وعي واختيار. وبالطبع ثمة بلدان أخرى ستتأثر أيضاً بانخفاض العائدات النفطية؛ ولكن هذه البلدان الثلاثة تتميز عن غيرها بالطريقة التي ضخّم بها ارتفاعُ أسعار النفط طموحاتِها الجيوسياسية وموّل سلوكها المارق. فبوتين، الذي يطمح لإعادة بناء الامبراطورية السوفييتية وإعادة إحياء مجدها القديم، قام بغزو عسكري لجيرانه مرتين في ظرف ست سنوات. وإيران، التي تسعى للهيمنة في الشرق الأوسط، تخوض حروبا باهظة ومكلفة في العراق وسوريا في وقت تقوم فيه بإنشاء البنية التحتية الضرورية لإنتاج أسلحة نووية. أما فنزويلا، فقد دفعتها طموحاتها الرامية إلى إنشاء كتلة معادية للولايات لمتحدة في أميركا اللاتينية إلى توزيع 200 ألف برميل من النفط المدعوم يوميا على 13 بلداً، من بينها كوبا. وبينما تنخفض عائدات النفط بسرعة، فإن التأثير الأكبر يوجد في كراكاس حيث تمتد طوابير طويلة خارج محال البقالة التابعة للدولة من أجل التزود بمواد غذائية وسلع أساسية تختفي بسرعة. وبالنظر إلى حقيقة أن 20 مليار دولار فقط هي التي تبقت في احتياطياتها وأنها مدينة بـ50 مليار دولار للصين فقط، فيبدو أن فنزويلا تتجه نحو الاختيار بين التخلي عن هداياها النفطية المجانية لجيرانها وإعلان عجزها عن تسديد ديونها، أو ترك شعبها يجوع لدرجة الثوران. وبالمقابل، يبدو المزاج العام في موسكو أكثر هدوءا: فنظرا للدعم الهام الذي يحظى به من الروس ومئات المليارات من الدولارات التي مازالت في احتياطيات بلده، يبدو بوتين مؤهلا بشكل جيد نسبيا لاجتياز سنة صعبة. ومع ذلك، فإن مستوى معيشة الملايين من موظفي الدولة، مثل المعلمين والعاملين في قطاع الصحة، سينخفض بفعل تخفيضات الميزانية التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي، بينما ستعاني الحكومات المحلية – بما في ذلك تلك المتقلبة في القوقاز – من نقص في الميزانية. بيد أن الرد الأكثر إثارة للاهتمام على انخفاض الأسعار ربما هو الرد الإيراني. فخطاب الرئيس حسن روحاني في الرابع من يناير كشف عن جانب واحد من الجدال بين القيادة الإيرانية، حيث قال إن الاقتصاد الإيراني «لا يمكنه أن يتطور بمعزل عن بقية العالم». وهو ما يفسر ربما الجدية والهمة الكبيرة لوزير الخارجية جواد ظريف، الذي عقد جلسات محادثات إضافية حول اتفاق نووي مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في جنيف الأسبوع الماضي. غير أن ردا على روحاني جاء بعيد أيام على لسان المرشد الأعلى، الذي حاجج بأنه لا يمكن الوثوق في الغرب لرفع العقوبات، وبأن إيران تستطيع أن تزدهر تحت «اقتصاد مقاومة» أقل اعتمادا على النفط. والواقع أن بضعة أشهر من التقشف، وتأثيراته الداخلية، قد تغيّر رأي المرشد؛ وفي كلتا الحالتين فإن الرد الإيراني على أزمة النفط سيساهم في تشكيل ملامح أحداث هذه السنة في الشرق الأوسط. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»