اشتهر تعبير «أنا شارلي» الذي جرى تعميمه بسرعة إعلامية مذهلة، ومشى تحت أعلامه رؤساء دول وحكومات من أنحاء العالم وحتى الإسلامي منه، استثار حفيظة الكثيرين، وأفكار آخرين ممن ليسوا طرفاً مباشراً في النزاع، أي ممن ليسوا في جبهات التحدي، والتحدى المضاد، وخاصة من أفريقيا والعالم الثالث. ولا أقصد تقديم حصر لذلك، بقدر ما علينا جميعاً الانتباه للتحليلات المختلفة التى قد تفيد في خلق سياسات «أخرى» محلية أو دولية. لكن أغرب ما عرفناه اليوم من نتائج، أنه قبل إعلان التحالف الدولي في أوروبا ضد إرهاب ما بعد «شارلي إيبدو» ، وإذا بنا أمام إعلان عن اجتماع دول غرب أفريقيا في إطار الاتحاد الأفريقي، لتكوين «قوة عسكرية إقليمية» أفريقية لمواجهة الإرهاب في غرب القارة، بدءاً من «بوكو حرام» في نيجيريا! الخ. فهذا السلوك الدولي المنافق ينقل إرهاب «بوكو حرام» مباشرة من مسألة «قومية» أو محلية نيجيرية إزاء جماعة متطرفة تشوه أفكار الجهاد الإسلامي عند «دان فوديو» أو «الكانمي» أو حتى الفرض الإسلامي المقدس حول الجهاد لنشر الدعوة الدينية، وإذ بها تصبح مسألة «سياسية» إقليمية، ومن ثم «دولية»، بما يبدو تعاوناً عسكرياً وثيقاً مع فرنسا تحديداً في المنطقة، منذ قتالها للسلفيين في شمال مالي وبقاء قوتها في الصحراء الكبرى ودولها. هذا الانتقال لتفسير «سياسي» أكبر، هو الذي أورده أكثر من واحد من المثقفين الأفارقة، مثل محمود ممداني وغيره. مبعدين حوادث الإرهاب هذه من دائرة «إسلاميين ونصارى» إلى دائرة الصراع السياسي وخاصة الدولي. واستعاد "ممداني" آراءه منذ أصدر كتاب «المسلم الصالح والمسلم الطالح»، وأعاد الينا صورة الإدارة الأميركية وهي تجند «المجاهدين» وتعطيهم السلاح بالتعاون مع السادات لمحاربة «الكفار» في أفغانستان..الخ هذه الصورة هي التي تقف دائماً وراء تفسير أحداث مثل «شارلي إيبدو» تفسيراً سياسياً عند العقلاء، وإن أثارت التعصبات الدينية عند آخرين. إن تحويل حدث «شارلي إيبدو» إلى موقف بين الإسلام والمسيحية هو جوهر الدعاية الغربية – مرة أخرى لإعادة بحث وضع المغتربين المسلمين من قبل قوى اليمين الصاعد والمتوحش في أوروبا. لكن الفكر الأفريقي، ينشغل بالوطني أساساً، وأمامي نصوص عديدة تعلن «أنا لست شارلي»، ولكني نيجيري، أو أفريقي الخ. وأخرى تقول في مانشيت صحفي :"لست شارلي تماماً..ولكن!" هنا تحذير أفريقي متعقل ضد «استقطاب التحليل»، كما ورد في عنوان آخر، لأن البعض رأى أن المسلمين جزء ثابت في «سياسات الكثيرين منهم، ولكن المتطرفين منهم، يحسبون وفق ما حسب «الكلو كلان» في أميركا أو غيرهم في فرنسا وألمانيا! الخ. وهذا لا يعني أن هذه المجموعات لا تقوم بعمل إجرامي نحاسبهم عليه بالطبع. التحليلات الأفريقية، تميل بعد وضع الاعتبارات السياسية، إلى التحليل الثقافي والتاريخي، والمقارن، وليس مجرد مناقشة للثقافة الدينية، وأظن أن ذلك يرجع إلى أن التفكير في أفريقيا غير العربية أو الإسلامية، لم ينشغل كثيراً طوال العقود الأخيرة بالإسلام السياسي على نحو ما انشغل به عرب ومسلمو الشمال الأفريقي والشرق الأوسط! من هنا تحدث بعضهم بدون حرج عن تصديقه للقول إن التسامح بمعناه الليبرالي الحداثي ما زال قيمة غربية على نطاق واسع، بينما ما زال قيمة دينية فقط – مع أو ضد- على المستوى الإسلامي. ويترتب على هذا التفكير مقولة أخرى تصدرها معاندتنا للغرب بطرح نماذجهم في التعصب أو حجب الحريات في مثل تحريم ذكر الهولوكوست أو السخرية من اليهود..الخ عندئذ تحدث بعض الأفارقة – مثل الأوروبيين– عن أن ذلك يبقى في حدود القضية الجنائية، حيث الإدانة فيها فردية. أما التعصب الإسلامي الديني فيبقى جماعياً، أي تجاه الجماعة «الأخرى»، ومن ثم فالعقوبة تتجه عند الإسلاميين، إلى مجتمع بالجملة مثل الدانماركي أو الفرنسي أو الأميركي..الخ وليس إلى الأفراد، وهذا مكمن خطر الإسلاميين الفعلي. كل ذلك ورد في كتابات، بدأت مع الاحتداد تقول «لا» للمهرجان الغربي الفرنسي، بل لاحظت العودة إلى نوع آخر من الاستقطاب النقدي تجاه الغرب مثل: أين كانوا يوم مذبحة رواندا، وأين هم من القتلى الفلسطينيين بيد إسرائيليين، أو قتلى الطائرات الأميركية وغيرها في اليمن؟ وقد أثار كل ذلك سؤالاً آخر: هل المشكلة في الصراع الحضاري مع الغرب؟ وهنا جاءت الإجابة بالنفي، ملمحين إلى مشكلة صعوبات الاندماج في المجتمع الغربي من ناحية، وصعوبات الاجتهاد والتجديد في المجتمع الإسلامي من ناحية أخرى.