تتسابق الأُمم المتقدمة في حرب الفضاء الخارجي والتركيز على حقول الانتاج المعرفية، حتى تصبح دائماً مكوناً رئيسياً في معادلة قوى السيطرة والتحكم المستقبلية، وجعل ميزان القوى أكثر ميلاناً لصالحها والحفاظ على المعاهدات غير المتكافئة، وإيجاد مفهوم قوة بلغة جديدة تناسب ما وصل إليه العالم من تطور في الجانب العلمي والتقني. ومن هذا المنطلق نجد معظم الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى وملفات فرض النفوذ للقوتين الأكبر في العالم: الصين والولايات المتحدة الأميركية بعيداً عن اقتصاد المعرفة والطاقة والتكنولوجيا المبتكرة تتمركز حول كيفية هزيمة إحداهما الأخرى وتقليم أظافرها قدر المستطاع من خلال ممارسات مشروعة وغير مشروعة وصرف ميزانيات هائلة في مجال بحوث أسلحة الفضاء كسلاح ردع خارق، والهجوم على أنظمة الفضاء قد يكون خياراً لا يقاوم والأكثر إغراء للعالم في العهود القادمة، وما يسمى بقوة الفضاء (spacepower) التي ستلعب دوراً محورياً في ترجيع كفة على أخرى وتقاسم الهيمنة المشروطة. وتعكس جلياً الصراعات العابرة للحدود والقارات بين القوى العظمى مدى أهمية الحرب الباردة لتسليح الفضاء بين الصين وأميركا مع تقدم ملحوظ لأميركا في هذا السباق المحموم، ولذلك بادرت الصين بتطوير قدراتها الحالية في حرب الفضاء لدرجة أنها طورت كتائب ضمن جيش التحرير الشعبي الصيني، أطلقت عليها مسمى "الجيش الأزرق" لتتعامل مع أمن الفضاء الإلكتروني وقوة أُخرى للتعامل مع شبكات الحريق الفضائية في الفضاء الخارجي، وإجراء عمليات هجوم الفضاء وتوجيه ضربات مهمة لإعدائها من خلال منصات الضربة الردعية في المدار وأسلحة مضادة للأقمار الصناعية، والتي تعد أولوية وطنية للقوى العظمى، وبالمقابل في الفكر الاستراتيجي الغربي تعمل دول مثل الولايات المتحدة الأميركية في تطوير نظم تعطل اختبار وتشغيل أنظمة الفضاء المضادة، ومنع وردع العدوان ضد النظم الفضائية لديها، ودعم البنية التحتية للأمن القومي الأميركي، علماً أن الصين لديها خطط ردع مشابهة للمفهوم الغربي، ولديها بعض الخصائص الوقائية لوضع ضغوط مختلفة تجبر الطرف الآخر على التفاوض، وفرض التوازن النفسي في الصراع. ومن جانبنا كعرب: هل نحن مستعدون، ولدينا الاستراتيجيات والخطط الواضحة لخوض تلك المعركة الحتمية بغض النظر عن طبيعتها، وهو سلوك عدواني فضائي مشروع لم يجبرنا بعد على تطوير قيادة عربية مشتركة لقوات الفضاء الجوي، هو أمر أساسي للاقتصاد، والجيوش وطريقة الحياة المستقبلية. فالأقمار الصناعية أصبحت الآن جزءاً أساسياً من طريقة الحياة في القرن الحادي والعشرين، وأهم أداة لإدارة الأزمات بصورة تقنية عالية الجودة، ناهيك عن دورها في المهام الضخمة ذات الأبعاد التي تحمل مسؤوليات عالمية تصل إلى كل ركن من أركان الكرة الأرضية، ومسافة لا يستهان بها في الفضاء والمدار المتزامن مع الأرض، وبالتالي التجسس العسكري والصناعي والحصول على بيانات دقيقة في الوقت المناسب والحصول على المعلومات المستمدة من الفضاء لجميع أنواع المستخدمين، في القطاعين العام والخاص ولا يمكنني التفكير في عملية عسكرية أميركية واحدة، لا تعتمد إلى حد ما على قيادة شؤون الفضاء بالقوات الجوية الأميركية، بجانب تسخير تقنيات اتصالات الفضاء لخدمة استخدامات الطاقة التقليدية وغير التقليدية، ولعب دور جوهري في ازدهار اقتصاد وصناعة الاتصالات وتقنياتها وعدم ترك مجال للصدفة في احتمالية بعيدة، ولكنها محتملة وهي إرهاب الفضاء الإلكتروني وإرهاصات عسكرة الفضاء، وتهديد التعاون بين دول معينة، ودول وتنظيمات العشوائيات السياسية غير الرسمية، وحصولهم على تكنولوجيا متقدمة في ذلك الإطار. ومن ناحية أُخرى ما مدى جاهزية الوطن العربي للعب دور حيوي في صناعة واقتصاد ومعرفة مستقبل الإنترنت وارتباطه بالفضاء؟ وأين هم من آخر قفزات ثورة علوم الفضاء والاتصالات، وما يسمى على سبيل المثال إنترنت الأشياء (Internet of things)، وهو مجال تنافسي تقني قادم يتعلق بالاقتصاد الافتراضي وحجمه وأسلوب الحياة الذي سيغزو العالم مستقبلاً وتأثر البنية التحتية للطيف الكهرومغناطيسي أو الأشعة الكهرومغناطيسية أو الأمواج الكهرومغناطيسية وتكنولوجيا المعلومات، حيث ستبدأ حروب المستقبل بهجوم على القدرات الفضائية وإبقاء التهديد النووي تحت السيطرة. فهل يعد أمن الفضاء الإلكتروني خيالاً علمياً لحكومات الدول العربية؟ وهل نملك المواد الخام المعرفية والبنية التحتية الابتكارية للمواجهة في ظل المعوقات الطبيعية، التي لا يمكن أن يتم تجاوزها دون تعاون عربي استراتيجي مشترك في جهود أمن المستقبل، دع عنك جانباً الأمن بمفهومه الحالي، فأين نحن مما يجري في ذلك العالم؟ وما مدى تأثيرة المحتمل على بقائنا كدول؟ فذلك السباق لن يؤثر علينا ككيانات سياسية فقط، بل سيضرب اقتصادنا وحياتنا اليومية في مقتل، وبالتالي التهميش المعرفي التطبيقي والفقر والعوز التنافسي الفضائي.