قبل «الحرب على الإرهاب» كان العديد من الأميركيين يعرف خليج جوانتانامو فقط من خلال فيلم «قليل من الرجال الصالحين». وفي أشهر مشاهد الفيلم، يتحدث العقيد البحري الذي يقود القاعدة البحرية الأميركية، وقد أدى دوره «جاك نيكلسون»، خلال محاكمة عسكرية قائلاً: «ليس لديَّ الوقت ولا الرغبة في تفسير تصرفاتي لرجل يصحو وينام تحت غطاء من الحرية ذاتها التي أقدمها ثم يشكك في الطريقة التي أقدمها بها». لقد قيل لنا إن احتجاز السجناء في جوانتانامو لأكثر من عقد من الزمن كان ثمناً ضرورياً للحرية. وبغض النظر عما تقوله الشخصية التي لعب دورها «نيكلسون»، فإنه يمكننا التعامل مع الحقيقة وهي أن السجن الواقع في كوبا هو إهدار هائل لأموال دافعي الضرائب الأميركيين، ويجعلنا أيضاً أقل أمناً كما يتعارض مع قيمنا الأميركية. وفي شهر سبتمبر الماضي، قمت بزيارة لجوانتانامو كي أرى كيف تتم معاملة المعتقلين وأفهم تكاليف العملية. وبالتجول حول المرفق المتداعي، رأيت أن جوانتانامو أصبح حقاً بقايا ترمز لاستراتيجية خاطئة لاستضافة عدد متضائل من المعتقلين. ومن بين الـ779 معتقلًا الذين كانوا محتجزين في المعتقل، تم نقل 657 إلى عدد قليل من الدول المستعدة لاستقبالهم. وانخفض عدد المحتجزين الآن إلى 122 -54 منهم من المقرر الإفراج عنهم- ولكن بدلًا من إغلاق المركز، طلب البنتاجون 290 مليون دولار لتطوير المبنى. ويتكلف احتجاز سجين واحد في جوانتانامو 3,3 مليون دولار سنوياً، أي أكثر من 40 ضعف تكلفة احتجاز سجين في سجن «سوبرماكس» في الولايات المتحدة. وتشمل هذه التكاليف الخدمات اللوجستية التي تدعم هذا المرفق. وهناك أيضاً 2268 من العاملين في جوانتانامو، إضافة إلى العاملين في المجال الطبي الذين يفوقون عدد المعتقلين أنفسهم. وتمثل التكاليف الطبية نسبة متزايدة من تكاليف المرفق. وقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه عندما احتاج مريض إلى تركيب دعامة، فقد كلفت عملية القسطرة مليون دولار. وعندما احتاج مريض آخر لإزالة حصوات من الكلى، فإن تكاليف استيراد أجهزة تفتيت الحصوات بالليزر والطبيب كانت على حساب دافعي الضرائب. وهذه الإجراءات ستزداد تعقيداً وتكلفة مع تقدم المعتقلين في العمر. فلماذا يستمر الإبقاء على المعتقلين في جوانتانامو إذن؟ يقول الجمهوريون إنه هو المنشأة الوحيدة القادرة على إيواء أولئك الرجال الخطرين بشكل آمن. إن احتجاز الإرهابيين في نظام السجون الفيدرالية لا يمثل سابقة، حيث يقضي الشيخ الضرير «عمر عبدالرحمن» حكماً بالسجن المؤبد في شمال كاليفورنيا لارتباطه بتفجير مركز التجارة العالمي في 1993. وعلى بعد بضعة مبانٍ من الكابيتول، يحاكم «أحمد أبو ختالة» باعتباره المتهم الرئيسي في الهجوم على البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي الليبية، في عام 2012. وإذا ما تمت إدانته، فسيقضي مدة عقوبته في السجن الفيدرالي. وبالنسبة لأولئك الذين يسعون للإبقاء على جوانتانامو مفتوحاً، فهم يستندون على تأكيدات ومخاوف واهية بشأن احتمال «عودة المعتقلين إلى القتال». بيد أن معدلات الاعتياد على الجريمة منخفضة. وفي عهد إدارة أوباما، عاد 7% فقط من المفرج عنهم إلى سابق نشاطهم، مقارنة بنسبة 19% خلال إدارة بوش. وفي الوقت نفسه، أصبح جوانتانامو بمثابة صيحة استنفار لآخرين لحمل السلاح ضد الولايات المتحدة. فقد تم توثيق أساليب الاستجواب الوحشية التي كانت تستخدم في المرفق في تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ. وقد أثارت هذه الأعمال الوحشية الكراهية في الخارج وقدمت صورة قوية للدعاية الإرهابية التي نشرتها جماعات مثل «طالبان» و«القاعدة». ومن جانبه، وصف الأدميرال «مايك مولين»، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة، جوانتانامو بأنه «رمز للتجنيد» بالنسبة للإرهابيين، الأمر الذي يراه السبب الرئيسي للقلق بشأن استمرار وجود المعتقل. وقبل قطع رؤوس الصحفيين «جيمس فولي» و«ستيفين سوتلوف»، استدعى تنظيم «داعش» صورة جوانتانامو بأن جعلهما يرتديان ملابس برتقالية اللون كتلك التي يرتديها المعتقلون في جوانتانامو. وكان لهذه الملابس صدى لأنها تتعارض مع قيمنا كأميركيين. إننا في حاجة إلى إجراءات حاسمة. وإنني لأحيي الخطوات التي اتخذها أوباما لخفض عدد المعتقلين في جوانتانامو. وينبغي على الكونجرس إنهاء الوضع الراهن، فلا يمكننا الانتظار عقداً آخر. نحن في حاجة إلى إغلاق جوانتانامو. جاكي سبيببر: محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»