من المعروف والثابت أن زيادة الوزن والسمنة تعتبران من عوامل الخطر الكبيرة التي تزيد من احتمالات الوفاة المبكرة. ولكن أي الأمرين أبلغ أثراً في خفض احتمالات الوفاة المبكرة: الوزن المثالي، أم النشاط البدني مثل ممارسة الرياضة، أو حتى مجرد المشي السريع؟ وبمعنى آخر، هل الإنسان ذو الوزن المثالي الذي لا يمارس النشاط البدني، أقل عرضة للوفاة المبكرة، مقارنة بالشخص زائد الوزن أو السمين النشيط بدنياً أو الممارس للرياضة، أم أن العكس صحيح؟ في الوقت الذي تؤكد فيه الدراسات أن الحفاظ على وزن مثالي، وممارسة النشاط البدني، هي أفضل خلطة أو تركيبة للحفاظ على الصحة العامة، وتجنب الوفاة المبكرة، لا توجد حكمة عامة، أو معرفة موثقة، عن أيهما أكثر فائدة في الوقاية وفي تجنب الوفاة المبكرة، الوزن المثالي أم النشاط البدني؟ ولغرض الإجابة على هذه الأسئلة، أجرى علماء جامعة «كامبريدج» ببريطانيا، دراسة شملت أكثر من 334 ألف شخص من سكان الدول الأوروبية، تابعوا فيها على مدار 12 عاماً الحالة الصحية لهؤلاء الأشخاص، وخصوصاً أوزانهم مقارنة بأطوالهم، ومدى حجم ومدة النشاط البدني وممارسة الرياضة في حياتهم اليومية، وفي النهاية سبب الوفاة إذا لقي أحد منهم حتفه خلال فترة إجراء الدراسة. وما خلص إليه علماء «كامبريدج» في نتائج دراستهم التي نشرت الأسبوع الماضي في إحدى الدوريات الطبية الأميركية المتخصصة في علوم التغذية الطبية (American Journal of Clinical Nutrition) هو أن الكسل وعدم ممارسة النشاط البدني واليومي، أخطر وأكثر فتكاً، من زيادة الوزن والسمنة، وبمقدار الضعف تقريباً، حيث قدر العلماء أن غياب النشاط البدني يتسبب في 676 ألف وفاة مبكرة سنوياً، مقارنة بـ337 ألف وفاة مبكرة تتسبب فيها زيادة الوزن. ولذا، إذا ما وضعنا قائمة تصاعدية بحجم خطر التعرض للوفاة المبكرة من خلال عدة مستويات، انطلاقاً من المستوى الأول أو القاعدة الأساسية: بأن الحفاظ على وزن مثالي وممارسة النشاط البدني معاً، هما الخيار الأفضل على الإطلاق، سنجد أن احتمالات الخطر تزداد لنصل إلى المستوى الثاني، مع الأشخاص زائدي الوزن الذين يمارسون النشاط البدني، ثم يزداد الخطر بدرجة أكبر، وصولًا إلى المستوى الثالث، بين الأشخاص ذوي الوزن المثالي الذين لا يمارسون النشاط البدني، ليصل الخطر إلى أعلى مستوياته، أو المستوى الرابع بين الأشخاص زائدي الوزن، الذين لا يمارسون النشاط البدني، وخصوصاً المصابين بالسمنة المفرطة. وإذا ما قارنا حجم الخطر بين المستوى الثاني -زيادة الوزن مع نشاط بدني- وبين المستوى الثالث -وزن مثالي دون نشاط بدني- سندرك أن العلاقة بين هذه العوامل هي علاقة ثلاثية الأبعاد. بمعنى أنه في الوقت الذي تفاقم فيه زيادة الوزن من درجة الخطر، نجد أن ممارسة النشاط البدني تقلله بقدر أكبر من حجم الزيادة الحاصلة بسبب زيادة الوزن. وفي الوقت نفسه الذي يُقلل فيه الوزن المثالي من حجم الخطر، نجد أن الكسل والخمول يزيدان من حجم الخطر، بقدر أكبر من النقصان الذي تحقق من الوزن المثالي. وبخلاف أن زائدي الوزن، يمكنهم تقليل احتمالات تعرضهم للوفاة المبكرة من خلال ممارسة النشاط البدني، وإلى درجة ومستوى أقل من أصحاب الوزن المثالي الكسالى، نجد أن المثير والمشجع في الموضوع، هو أن حجم النشاط البدني المطلوب لتحقيق هذه الفائدة، ليس بالكثير أو الصعب. فعلى سبيل المثال، يمكن للمشي (السريع) لمدة عشرين دقيقة يومياً، أو ركوب الدراجة الهوائية لمدة نصف ساعة، أن يحققا فوائد صحية بالغة. وبالنظر إلى سهولة الحصول على هذا المقدار من النشاط البدني أو الرياضي يومياً، وأثره الواضح في خفض الوفيات بين سكان القارة الأوروبية، الذي يقدر بـ676 ألفاً سنوياً، أو ما يعادل 7,5 في المئة من مجمل الوفيات السنوية، تتزايد أصوات الأطباء والعلماء المطالبة بجعل النشاط البدني، وممارسة الرياضة، ضمن أهم قضايا الصحة العامة في المجتمعات الحديثة. وربما دفعها إلى مرتبة متقدمة على مكافحة السمنة، ضمن قائمة أولويات العاملين في قطاع الرعاية الصحية، والمسؤولين وواضعي السياسات، وذلك انطلاقاً من أن القضاء على السمنة، سيمنع 337 ألف وفاة فقط، أو ما يعادل 3,6 في المئة من مجمل الوفيات السنوية بين سكان الدول الأوروبية، وهو ما يشكل نصف عدد الوفيات التي يمكن للنشاط البدني وحده أن يمنعها. وجدير بالذكر، أن الأمراض التي يقتل بها كل من زيادة الوزن، والكسل والخمول، ضحياهما -مثل أمراض القلب والشرايين- هي أمراض متشابهة إلى حد كبير، إلا أن السكري من النوع الثاني، يرتبط فقط بزيادة الوزن، وخصوصاً السمنة المركزية، أو ما يعرف بالكرش.