فرنسا ليست في حرب.. وتسد الأبواب على الإرهاب لوفيغارو في صحيفة لوفيغارو اختار الكاتب اليميني «إيف تريّار» عنونة عموده بعبارة «الحذر»، قائلاً في بدايته إنه كان يلزم وقوع مأساة لكي تكسب البراغماتية السياسية في فرنسا الرهان. وعلى رغم سيادة الصمت في صفوف الاشتراكيين، فقد خرج رئيس الحكومة مانويل فالس ليتكلم: إن الإرهاب الإسلامي هو منذ الآن العدو المعلن لفرنسا. وقد لقي كلامه التصفيق. إذ لم يعد ثمة مكان للمواربة. والحال أن الشرطة تقف الآن على جبهة حرب، يقول الكاتب، في مطاردتها للشبكات «الجهادية». وقد دخلت العدالة أيضاً على الخط: فقد تمت إدانة ثلاثة شبان فرنسيين كانوا يريدون الذهاب إلى اليمن أو الصومال، وحكم عليهم يوم الخميس الماضي، بعقوبات تراوحت بين أربع وعشر سنوات من السجن النافذ. وهذه هي البداية. وفي المشهد أيضاً اليسار الواقعي. فليست هنالك حريات دون توافر الأمن. وهنالك قوانين عديدة، جرى تعديلها أكثر من مرة. ولكن الهجمات القاتلة التي جرت الأسبوع الماضي أظهرت أنه يلزم المضي إلى ما هو أبعد. وقد استفاد القتلة من هفوات واسترخاء نسق الاستخبارات وعدم فاعلية المتابعة القضائية. وثمة أكثر من مقترح مرسوم الآن، وقد تعهد فالس ووزير الداخلية برنار جازنوف بأن تكون التدابير حازمة. والسؤال الآن هو عما إن كان اليسار الوثوقي سيتركهما يفعلان ذلك؟ أما حافظة الأختام -وزيرة العدل كريستيان توبيرا- فلم نرها حتى الآن إلا في الصور، أو في التلفزيون حيث نراها لائذة بالصمت خلف فالس وجازنوف. وختم الكاتب بانتقاد وزيرة العدل مذكراً إياها بأن آمدي كوليبالي، محتجز الرهائن في متجر «كوشير»، منحرف وكان مكانه الملائم في ذلك اليوم هو السجن. لوموند في صحيفة لوموند نشر الكاتب «أنطوان جراندجان»، وهو أستاذ فلسفة بجامعة «نانت»، مقالاً بعنوان: «لا، فرنسا ليست في حرب» وقد فند فيه الدعاوى التي تعتبر أن باريس قد دخلت في حرب معلَنة بعد أحداث الأسبوع الماضي، مؤكداً أن الأخوين كواشي وآمدي كوليبالي الذين ارتكبوا الهجمات الإرهابية الأخيرة هم مدنيون، وفرنسيون. والأولان زعما الانتماء إلى منظمة إرهابية دولية هي «القاعدة». والأخير ادعى أنه من تنظيم إرهابي هو «داعش» الذي يحتل أراضي في سوريا والعراق. ولو كان الأشخاص المهاجمون قد جرى توقيفهم أحياء فلم يكن من الوارد اعتبارهم أسرى حرب، ولا مجرمي حرب، بل هم، بالمختصر المفيد، مجرمو حق عام. وعندما يشن شخص مدني هجوماً لقتل أشخاص مدنيين فلهذا اسم واضح هو أنه عمل إرهابي. ويمكن تعريف الإرهابي بأنه مقاتل مسلح ولكنه ليس جندياً. ولهذا فقد كان الموقف واضحاً للحكومة حيث لم ترد على هجمات الإرهابيين بإرسال الجيش، وإنما تكفلت بالأمر عمليات الشرطة. وبعد الدعوة لعدم اللعب بالألفاظ حول تسمية ما جرى، والنظر إليه كجريمة وليس كمعركة في حرب، يذهب الكاتب أيضاً إلى أن كسب المواجهة ضد الإرهاب يقتضي وضوحاً في الرؤية وشمولية في الاستجابة للتحدي، وفي هذا المسعى لابد أن يكون الجهد الرئيسي في المواجهة واقعاً على السياسة، من خلال سد كافة الأبواب التي يمكن أن تسمح للتنظيمات الإرهابية باستقطاب شباب، واستغلال ظروفهم، والتغرير بهم.. وهذا يقتضي من الحكومة توفير فرص العمل والأمل أمامهم، والاشتغال على نشر الوعي والتعليم وتنمية حس المواطنة في صفوفهم. ليبراسيون في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون دعا الكاتب لوران جوفرين للتفكير من جديد في سبل دعم وترسيخ ثقافة الجمهورية، قائلاً إن وقت الدموع قد انتهى، وآن وقت التفكير العميق في سبل تجاوز الأسباب التي أدت إلى ما وقع في أحداث العنف الأخيرة في باريس. وأكد الكاتب أنه على رغم الهبّة الفرنسية الجماعية ضد الإرهاب، فليس أيضاً من الدقة القول إننا كنا جميعاً خلال الأيام الماضية متفقين، أو كنا كلنا «شارلي»! فهنالك اختلافات، وعلينا النظر إليها كما هي. ولئن كانت الجمهورية استجابت بقوة للتحدي، فإن الأهم ما زال يتعين علينا فعله. وفي هذا المقام ينبغي بذل كل جهد لعلاج الشرخ الاجتماعي، وبشكل لا لبس فيه. ومع اتفاق الجميع على أن مسيرة القرن في يوم الأحد الماضي، 11 يناير، كانت باهرة وناجحة، إلا أن هذا ينبغي أيضاً ألا يجعلنا نغفل المشكلات التي ما زالت قائمة والبحث لها عن حلول. وهنا ينبغي أن نعترف بصراحة بأن هنالك عدداً كبيراً من الفرنسيين، خاصة من سكان الضواحي، يرزحون في آثار حالة شرخ اجتماعي وأخلاقي داخل بلدهم. وهنالك أيضاً جزء من الشباب غسل المتطرفون أدمغتهم، وسعوا لإفقادهم القدرة على الاندماج والعيش المشترك، وجعلوهم يتبنون أفكاراً متطرفة، لا تلائم القيم الديمقراطية. والحل من وجهة نظر الكاتب هو العمل لإصلاح الاختلالات البنيوية ورتق الشروخ بين مكونات النسيج السكاني للبلاد، وتحفيز الاندماج والوعي بروح المواطنة والتعايش المشترك تحت سقف أهداف وطنية وقيم ديمقراطية جامعة. إعداد: حسن ولد المختار