هل يحظى «جوهر تسارناييف»، الناجي المشتبه في ضلوعه بتفجيرات بوسطن بمحاكمة عادلة؟ إنه سؤال عميق لكن لربما كان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة يعتبرونه غير مفهوم. ولأن الآباء المؤسسين كانوا أبعد من أن يلتفتوا إلى إمكانية تغيير مكان المحاكمة في القضايا الكبيرة، فقد كفلوا أن المتهم يستحق محاكمة من «هيئة محلفين نزيهة في الولاية والمقاطعة التي ارتكبت فيها الجريمة». إذن، أين نشأت الفكرة الحديثة الخاصة بحق المتهم في طلب محاكمته في مكان آخر؟ والإجابة: انجلترا، وتحديدا في محاكمة القاتل الرهيب وليام بالمر الذي اشتهر باسم «أمير المسممين» عام 1855، أي بعد 66 عاما من التصديق على التعديل السادس في الدستور الأميركي. وحوكم «بالمر» لقيامه بقتل صديقه «جون كوك» بسم الستركنين. واشتبه أيضاً في قتل «بالمر» لزوجته وأطفاله الأربعة بالسم. ووقعت جرائم «بالمر» في «ساتفوردشير»، لكن مع صعود الدور الذي لعبته الصحافة، اُعتقد على نطاق واسع أنه لن يحصل على محاكمة عادلة. وأقر البرلمان «قانون المحكمة الجنائية المركزية» ليسمح بمحاكمة بالمر في «أولد بيلي»، المحكمة الجنائية المركزية، التي أدانته وحكمت عليه بالإعدام شنقا. ولفتت القضية الانتباه في الولايات المتحدة بسبب قبول القرائن الظرفية في القتل بالسم وليس بسبب تغيير مكان المحاكمة. فلطالما خشي الأميركيون انتقال المحاكمات إلى مكان مركزي، مما يدل عندهم على السيطرة الإمبراطورية والهيمنة. وتدريجيا بدأت الولايات تقبل القانون البريطاني الخاص بطلب تغيير مكان المحاكمة. لكن لم يجر إصلاح «القوانين الاتحادية للإجراءات الجنائية» قبل عام 1944 للسماح بمثل هذا التغيير إذا كان التحامل المحلي سيجعل المحاكمة النزيهة أمراً مستحيلاً. وتمثل قضية تفجيرات ماراثون بوسطن تحديا جديدا. فعدد كبير أو ربما معظم سكان بوسطن يعرفون شخصا أو أكثر من آلاف الأشخاص الذين شاركوا في الماراثون واستهدفهم الهجوم. كما أن البحث عن منفذي التفجيرات شل حركة المدينة وعددا من الضواحي بعد مقتل ضابط شرطة وتبادل لإطلاق النار مع الشرطة. وتقييد الحركة وسماع صوت طائرات هليكوبتر بلاك هاوك في الجو مع منع خروج الأطفال حتى إلى الفناء الخلفي للمنزل هي خبرة لا يمكن نسيانها بسهولة. وكل هذا أثر على مئات الآلاف من الأشخاص الذين قد يكونون أعضاء في هيئة المحلفين. ومما يفاقم مشكلة المحاكمة العادلة هو الاستجابة الجماعية على التفجيرات. فحملة «بوسطن القوية» التي انضم إليها الجميع تقريباً وحدت بوسطن كما لم تفعل أي حملة من قبل. فإذا لم يتأثر المرء بمثل هذه الاستجابة في مدينة شهيرة بأحيائها المنقسمة المتعادية فلا بد أنه يعيش بمعزل عن العالم. والنتيجة هي أنه إذا حمل المرء فكرة المحكمة الدستورية العليا الأميركية عن المحاكمة العادلة محمل الجد أو أراد اتباع سابقة بالمر، فإنه يجب نقل المحاكمة بالفعل إلى واشنطن كما طلب محامو تسارناييف. نوح فيلدمان أستاذ القانون الدولي والدستوري بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»