نساء «القاعدة» و«داعش» وأخواتهما كثيرات منهن السعوديتان هيلة القصير، ووفاء الشهري، والعراقية «سجى الدليمي» والمغربية «فتحية المجاطي» والبلجيكية من أصل مغربي «مليكة العرود» وصولاً إلى «حياة بومدين» الفرنسية من أصل جزائري التي شاركت مؤخراً في مجزرة «شارلي إيبدو». غير أن الباكستانية «عافية صديقي» تبقى الأخطر، بدليل أن «القاعدة» و«داعش» تستميتان من أجل استرجاعها من السجون الأميركية. وهناك أربع وقائع تؤكد ذلك، كان آخرها في 2014 حينما قدمت «داعش» أولاً عرضاً بمبادلتها بالرهينتين «ستيفن سوتلوف» و«ديفيد هاينز» قبل ذبحهما، ثم قامت بتجديد العرض قبل جز عنق الصحفي الأميركي «جيمس فولي». وتختلف «عافية صديقي» عن غيرها من «القاعديات» و«الداعشيات» بأنها تحمل مؤهلات علمية عالية. فهي مثلاً حاصلة على درجة الدكتوراه في علم الأعصاب من جامعة أميركية عريقة هي «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، بل إن الأدبيات الصادرة عن التنظيمين المتطرفين تنفخان كثيراً في حجم قدراتها العلمية بقولها مثلاً إن صديقي حاصلة على 144 دكتوراه فخرية من أعرق الجامعات، ناهيك عن قولها إنها طبيب الأعصاب الوحيد في العالم الحاصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفارد، وأنه لا يوجد حتى في أميركا من تحمل مؤهلاتها. والمعتقد أن الهدف من هذا هو تمرير رسالة تدحض ما يتم تداوله من أن البسطاء والمحبطين وأنصاف المتعلمين هم فقط من يلتحقون بـ«القاعدة» و«داعش» وأخواتهما. وبعبارة أخرى تريد الرسالة أن تقول: «ها هي عالمة متخرجة من أرقى جامعات الغرب، وتعتبر من صفوة المجتمع الباكستاني تلتحق بنا عن قناعة». فما هي القصة الحقيقية لهذه المرأة الخطيرة بحسب الدوائر الأميركية، والبريئة بحسب الدوائر الباكستانية والجهادية المتطرفة؟ وما هي ملابسات اعتقالها؟ برز اسم «عافية صديقي» على سطح الأحداث بـُعيد الحرب الدولية على الإرهاب، وتحديدا في مارس 2003 حينما ألقت بانكوك القبض على الإرهابي «خالد شيخ محمد» في أحد المنتجعات السياحية التايلاندية وسلمته مخفورا إلى السلطات الباكستانية التي سلمته بدورها إلى نظيرتها الأميركية بسبب دوره القيادي في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر. وباستلام الأميركيين للرجل، ونقلهم له من كراتشي إلى قاعدة باغرام الأفغانية ومنها إلى معتقل غوانتانامو، لاحظت المخابرات الأميركية والباكستانية إختفاء «صديقي» مع ابنيها أحمد ومريم وطفلها الرضيع سليمان من مسكنهما في حي «غولشان» الفخم في كراتشي بالتزامن، الأمر الذي عزز من فرضية أن تكون لصديقي علاقة بتنظيم «القاعدة» أو حركة «طالبان». وتمضي الأيام والسنون حتى نجاح السلطات الأفغانية في ولاية غزنة في جنوب شرق أفغانستان المضطرب في اعتقالها بعد خمس سنوات من اختفائها، أي في 2008 (يمثل هذا تحديداً أحد الجوانب الغامضة التي لم يكشف النقاب عنها حتى الآن في سيرة صديقي، وبمعنى آخر أين كانت في الفترة من 2003 إلى 2008؟). وطبقا للأميركيين فإن الأخيرة وقت اعتقالها كانت تحمل كيلو جرامين من سيانيد الصوديوم مخفية في زجاجات كريم مرطب، إضافة إلى خطة لشن حرب بيولوجية وخرائط هندسية لجسر بروكلين ومبنى «امباير ستيت» وحي «وول ستريت» المالي في نيويورك. وكان هذا مبررا كافيا لقيام كابول بتسليم صديقي إلى القوات الأميركية التي نقلتها فوراً إلى الولايات المتحدة، حيث أودعت المعتقل تحت اسم «السجين 650» وجرى تحقيق مكثف معها - وفي قول آخر تم نقلها إلى أميركا بعد سنوات قضتها في سجن سري داخل قاعدة «باغرام»، وهذا هو ما زعمته صديقي نفسها في أول ظهور لها أمام محكمة أميركية في 2010. والمعروف أن هذه المحكمة قضت بسجنها 86 عاماً بتهمة الشروع في القتل، وليس بتهمة العلاقة بتنظيم «القاعدة»، وتهمة الشروع في القتل هي إشارة إلى ما ورد في الوثائق الأميركية من أن «صديقي» قامت أثناء التحقيق معها في أفغانستان بالسطو على بندقية وإطلاق النار منها على أميركيين وهي تصرخ «الموت لأميركا»، علماً بأنها أصابت نفسها بجروح ولم تصب أيا ممن استهدفتهم. و«صديقي»، التي أطلق الإعلام الغربي عليها اسم «سيدة القاعدة» كناية عن كونها أول امرأة تلتحق بالتنظيم وتساهم في أعماله، قضت طفولتها ما بين باكستان وزامبيا، وعندما بلغت سن 18 عاماً سافرت إلى تكساس للالتحاق بشقيقها، وفيما بعد درست بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وحصلت منه على درجة الدكتوراه في علم الأعصاب، وبالتالي فهي بحكم هذا التخصص يـُمكن الاستفادة منها في الحروب القذرة (ربما يفسر هذا سبب استماتة الدواعش والقاعديين على استعادتها). وفي التسعينيات تزوجت زواجاً تقليدياً في كراتشي من مواطنها الطبيب أمجد خان الذي التحق بها في الولايات المتحدة، حيث قام الزوجان بتكريس جل أوقاتهما للعمل الخيري الاسلامي وتوزيع المصاحف، ثم قاما خلال 2001 بجمع التبرعات لمنظمات إسلامية وشراء نظارات ليلية، وكتب عن الحروب ومعدات أخرى مثيرة. ولما كانت سنة 2001 هي سنة أحداث 11 سبتمبر، فإن رادارات مكتب التحقيقات الفدرالي كانت تسجل تحركاتهما استعدادا للإيقاع بهما في اللحظة المناسبة. لكنهما عادا إلى باكستان في 2002 حيث تطلقت صديقي من زوجها، واقترنت بابن شقيق خالد شيخ محمد. أما عائلتها فتنفي ذلك، بل وتزعم أنّ عناصر من المخابرات الباكستانية والأميركية هي من اعتقلتها في 2003 أثناء مغادرتها لمنزل والدتها باتجاه مطار كراتشي للعودة إلى مكان عملها في راوالبندي. ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين