خلفت أخبار تحسن أداء الاقتصاد الأميركي حالة من الترحيب والابتهاج في بكين. وكانت الصين قد أعلنت يوم الثلاثاء الماضي عن قفزة كبرى لصادراتها فاقت كل التوقعات حيث ارتفعت بمعدل 9,7 في المئة خلال شهر ديسمبر الماضي. وإذا حافظت هذه الأرقام على وتيرتها خلال الأشهر القليلة المقبلة، فستحمل معها بشائر خير للاقتصاد العالمي الذي يعاني من بعض الخلل في محركات نموّه. ولا يبدو أن كل المحللين يحملون مشاعر التفاؤل، إذ توقع بعضهم أن تشهد السياسات المالية الصينية بعض الإرباك أثناء محاولة الحكومة الإبقاء على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في مستوى يفوق ذلك المعدل الذي كان مستهدفاً في العام الماضي ويبلغ 7,5 في المئة (ولا يتجاوز الآن 7,3 في المئة). وهنالك رقم حسابي اقتصادي يدعو للقلق هو: 251. وهذا الرقم المحسوب وفق قاعدة ابتدعها خبراء بنك «ستاندارد تشارتر»، يمثل النسبة بين الدين العام والناتج المحلي الإجمالي. وهو كبير إلى درجة مقلقة بالمقارنة مع أسوأ رقم مماثل سجلته اليابان قبل 25 عاماً عندما انفجرت فقاعتها الاقتصادية. ومن المتوقع أن يرتفع أكثر في المستقبل المنظور. وكلما زادت الصين من معدل نموها خلال عام 2015، تفاقمت مشكلة «الإقراض غير المسؤول» الذي يتوجّب عليها خدمته خلال العقد المقبل. وهذا يعني بكلمة أخرى أن «الحسابات الرياضية»، بما تتضمنه من نسب ومعدلات وخطوط بيانية، لا تعبر ببساطة عن واقع الحالة الاقتصادية. وحتى لو تمكنت الصين من العودة إلى السنوات الذهبية لنمو الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ ذات مرة 10 في المئة، فإن الحكومة ستفقد القدرة على التحكم في ما يسمى «جبل الدين العام» ويصبح خارج سيطرتها. وفي هذا السياق قالت «شارلين تشو» الخبيرة الاقتصادية الصينية والمحللة السابقة في «مؤسسة فيتش للتصنيف» خلال لقاء مع تلفزيون «بلومبيرغ» هذا الأسبوع: «لقد أصبحنا نعاني من أضخم فقاعة للدين العام عرفها العالم على الإطلاق. والإقراض ينمو بشكل متواصل وبسرعة مضاعفة». وأشارت «تشو» إلى أن أولئك الذين يعتقدون أن الصين ستتمكن من التخفيف من وقع هذه المشكلة وتداعياتها يتجاهلون الحقيقة. وأضافت: «من الناحية الحسابية الرياضية، يكون الأمر مستحيلاً عندما يكون شيء ما مساوياً في القيمة لضعف شيء آخر، خاصة إذا كان أحد هذين الشيئين ينمو بسرعة». وتشكل «الديون السيئة» مشكلة في الصين. ولا يمكن للحكومة أن تنتظر طويلاً إن هي أرادت ألا تنفجر هذه الفقاعة في وجهها. ويكمن الخطر الأكبر على الاقتصاد الصيني في دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود شاملة جديدة. فما الذي ينبغي على الصين أن تفعله إذن من أجل تجنب الأسوأ؟ عليها، أولاً، أن تعيد النظر في سياسة الإقراض، خاصة للقطاع الحكومي. وإن كان من المرجح أن يؤدي ذلك إلى خلط الأوراق في أسواق الإقراض ويؤدي إلى كبح معدل النمو، إلا أنه إجراء حيوي وضروري من أجل إحكام السيطرة على النظام المالي المحلي برمته. وعليها، ثانياً، أن تلتزم بتطبيق الشفافية الحقيقية على نظام الإقراض والكشف التام عن نشاطات ما يسمى «بنوك الظلّ». ومن المعروف أن الصين ترفض تقديم البيانات حول نشاطات تلك البنوك لتترك بذلك للقطاع الخاص مهمة التخمين والتقدير في هذا الموضوع. وتقدّر «تشو» التي تعمل الآن في مركز للبحوث الاقتصادية في هونج كونج مجموع الأصول التي تمتلكها البنوك الصينية كلها بنحو 24 تريليون دولار في نهاية عام 2014. ويمثل هذا الرقم ارتفاعاً هائلاً عما كان عليه الاحتياطي البنكي الصيني في عام 2008 والذي بلغ 9 تريليونات دولار. وتحتاج الصين الآن لاعتماد آلية مالية جديدة ترمي إلى توثيق وتسجيل «الأصول السيئة». وبهذه الطريقة وحدها، يمكن لبكين أن تجبر البنوك على العمل بشكل منفتح وشفاف وأن تساهم بشكل سريع في استعادة التوازن. ويمكن للصين اعتماد عدة أساليب للتصدي لمشاكلها المالية بشكل جريء، إلا أن الأرقام التي تدعو إلى الابتهاج والمتعلقة بحجم الصادرات ومعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، تعتبر هي الدليل الخاطئ الذي يمكن الاسترشاد به أثناء معالجة تلك المشاكل المعقدة. ويليام بيسك ----------- * محلل اقتصادي أميركي متخصص بالشؤون الآسيوية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»