كان فرح القيصر نيقولا الثاني كبيراً حينما رزقت زوجته بغلام بعد ولادة خمس بنات، فقد جاء ولي العهد أخيراً، ولكن الفرح انقلب إلى حزن كبير وقلق عميق على مصير ولي العهد لم يفارق العائلة حتى فارق الجميع الحياة في ليلة واحدة تحت رصاص الشيوعيين في (كاترين بورج). كان حزن القيصر عظيماً لأن طبيب العائلة اكتشف أن ولي العهد مصاب بمرض لا شفاء منه هو مرض الناعور (الهيموفيلياHemophilia)، وهو مرض دموي تحمله الإناث ولا يصبن به ويظهر على الذكور، وقد أماط الطب اللثام عن سره بأن سببه (نقص) أو (غياب) العنصر الثامن من دم المصاب، وهو يعني بكلمة ثانية أن حامله ينزف بأصغر الجروح نزفاً خطيراً بسبب عدم تجلط الدم فيموت نزفاً. ولذا عمدت العائلة المالكة إلى وضع مرافقين خاصين للولد لا تغفل عنه الأعين على مدار الساعة، خوفاً من أي رض أو جرح، ومن هذه المصيبة الطبية وقعت العائلة المالكة، ومعها الشعب الروسي بورطة أفظع؛ فحيث يختفي العلم تبزغ شمس الخرافة والشعوذة، فقد لمع في البلاط الملكي وغد أفّاق كان في الأصل رجل دين في سيبيريا اسمه (راسبوتين) أتقن فن الشعوذة وإدمان الخمر. كان الرجل يتمتع بقوى روحية خارقة وكتب عنه أكثر من مائة كتاب أحدها بقلم (كوللن ويلسون). كان الرجل يتدخل بطريقة غامضة فيشفى الغلام؟ والسؤال هل كان يجري ذلك فعلاً بقوى روحية غامضة؟ أم أن المرض يكون قد وصل مرحلة الذروة كما يعرفها الأطباء فيقف النزف؟ وهكذا فلم يكن (الذكر) ولي العهد فألاً حسناً على العائلة من أي جانب، فقد ولد معلولاً بعلة قاتلة، وانتهت حياته بالرصاص والطعن ببنادق البلاشفة مع كل أفراد عائلته بعد منتصف الليل في الظروف المجنونة لاندلاع الثورة الشيوعية. ومرض ابن القيصر الأخير حاكم روسيا يرجع في أصله إلى خلل جيني في الكود الوراثي، وهو مرتبط بالكروموسوم الجنسي، وكانت العقيدة حتى اليوم أن الذكر هو الأقوى عوداً، وأن الأنثى تنشأ في الحلية وهي في الخصام غير مبين، وهي الضعيفة التي لا يعول عليها؛ فنصرها بكاء؟ ولكن آخر الأبحاث البيولوجية التي ظهرت إلى السطح أخرجت للعيان أن (الذكر) هو المخلوق الأقصر عمراً، والمملوء بالعيوب، وأن هورمون الذكورة (التستوسترون Testosterone)، الذي يسري في الدوران سم قاتل، يضعف الجهاز المناعي. هذه المعلومات الصادمة التي تدفقت بناء على دراسات علمية، أفرزت العديد من الكتب بعناوين من أمثال (لا مستقبل لآدم) و(فشل الرجال). وبالطبع فهي أخبار غير سارة لثقافة الفحولة التي تشعل الأرض حروباً وناراً، ريثما يندحر هذا الجنس، وتعود قيادة البشرية لليد الناعمة الأنثى في المستقبل القادم.