ما يزال المشهد الدولي يطرح على الأميركيين تحديات صعبة يبدو أنها ستتزايد خلال الفترة القادمة. ويتساءل كثير من الأميركيين الآن: هل لايزال بوسعنا الإنفاق على نطاق واسع على الأسلحة المكلفة كي نتفوق على دول مثل روسيا والصين، والدفع للاستخبارات والقوات المسلحة المطالبة بمواجهة تهديدات من جماعات مثل «القاعدة» و«داعش»؟ بالتأكيد، لقد أصبح الخطر الإرهابي أكثر تفاقماً وتحدياً في الوقت الراهن. فهو يتطلب 70 مليار دولار إضافية زيادة على موازنة الدفاع الأساسية وقيمتها 585 مليار دولار. ويغطي هذا المبلغ حساب عمليات الطوارئ في الخارج والقتال في العراق وأفغانستان وسوريا، وكذلك الإنفاق على القوات الأميركية الخاصة وجمع المعلومات الاستخباراتية، علاوة على المساعدات العسكرية والاقتصادية والإنسانية لحلفائنا. وفي الوقت نفسه، تتطلب التهديدات المحتملة من موسكو وبكين تكاليف متزايدة فيما يبدو وكأنه عودة لواجبات المدرسة القديمة للحرب الباردة. وقد تحدث «سيان ستاكلي»، مساعد وزير البحرية الأميركي لشؤون البحث والتطوير والشراء، مؤخراً عن هذا السباق الجديد للتسلح. وقال، أمام المجلس الأطلسي «إن تفوقنا في البحر يتطلب المحافظة على تفوقنا في التكنولوجيا والعلوم والهندسة». وأشار المسؤول البحري ذو الخبرة الواسعة إلى استثمارات الصين «المثيرة للإعجاب» في مجال القدرات البحرية، مستشهداً بما تملكه من «حاملة طائرات جديدة، وغواصات نووية، ومقاتلة من الجيل الخامس، وقدرات برمائية، وطائرات بدون طيار، وأسلحة باليستية مضادة للسفن». وأضاف «ستاكلي» أن «روسيا أيضاً تعيد تنشيط قدراتها البحرية». ولكن الواقع أن حاملة الطائرات الخاصة بالصين كانت أساساً ناقلة روسية قديمة تم شراؤها من أوكرانيا في 1998 وتجديدها. لقد كانت سفينة تدريب منذ 2012، وفي تجربة بحرية أخيرة، أصيبت بانفجار عصف بنظامها الكهربائي الجديد. وهناك تقارير تفيد بأن الصين تبني أول ناقلة تعمل بالطاقة غير النووية، ويقال إنها تشبه الناقلات التقليدية التي دخلت الخدمة بالبحرية الأميركية قبل 25 عاماً. وذكرت وزارة الدفاع الأميركية في يونيو الماضي أن «الصين اعترفت علناً للمرة الأولى في 2013 برغبتها في بناء حاملات طائرات أصلية». ومن المرجح «أن يتم تشغيل أولى هذه الناقلات في وقت ما من مطلع العقد القادم». وبالنسبة لروسيا، أنشأت هي أيضاً الهيكل لأول حاملة عملاقة تعمل بالطاقة النووية في 1988، ولكن البناء تم إلغاؤه في يناير 1991، بعد استكمال 20% منه. وفي العام التالي تم إلغاء المشروع. أما أول حاملة طائرات عملاقة نووية، وهي «يو إس إس إنتربرايز»، فقد دخلت الخدمة في 1962، وتم تعطيلها في ديسمبر 2012. واليوم، تمتلك الولايات المتحدة 10 حاملات طائرات عملاقة قديمة في الخدمة. بيد أن «ستاكلي» ذكر أن «البحرية في حاجة إلى 11 حاملة طائرات جديدة». وأضاف أنه من المقرر تسليم أول استبدال «يو إس إس جيرالد فورد» العام القادم بتكلفة 12,9 مليار دولار. وقد بدأ بناء الناقلة «يو إس إس جون إف كنيدي»، بينما سينتهي العمل بها في 2020 بتكلفة تبلغ 11,5 مليار دولار. يذكر أن هذه الحاملات كانت تكتسي أهمية في الحرب العالمية الثانية، وكان هناك احتياج لها إلى حد ما خلال حرب الخليج، وفي الصراعات في أفغانستان والعراق وللردع في المحيط الهادي. ويعد من أهم آثار الحرب الباردة برنامج استبدال 14 غواصة استراتيجية للصواريخ الباليستية من نوع «أوهايو» (إس إس بي إن) التي تستطيع حمل 24 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات. وبفضل معاهدة 2010 للحد من التسلح مع روسيا، والتي ستبدأ في 2018، فإن 12 غواصة فقط من هذا الطراز، كل منها محمل بـ20 صاروخاً، سيتم نشرها في وقت واحد. وسيقتصر كل صاروخ على حمل 4 أو 5 رؤوس حربية. وهذا يعني أن الولايات المتحدة سيكون لديها أكثر من 1000 رأس حربية متاحة، 320 منها متأهب للإطلاق. وقوة كل منها تعادل خمس مرات قوة قنبلة ناجازاكي. فما هو التهديد؟ إنها المنافسة مع الروس، على غرار ما جرى في الحرب الباردة. فقد بدأت روسيا منذ 15 عاماً في تحديث عدد أصغر من غواصات «إس إس بي إن» ذات القدرات الأقل. وتم الانتهاء من تحديث ثمانٍ منها من طراز «بوري» في 2013، بينما يجري العمل لتحديث ثلاث غواصات أخرى. ويقول «ستاكلي» إن «الأولوية الأولى» للبحرية تتمثل في استبدال غواصات «إس إس بي إن» من طراز «أوهايو». وأضاف أنه خلال 15 عاماً، ستبلغ تكلفة برنامج استبدال «أوهايو» 100 مليار دولار. ويبدو أن من الإسراف إنفاق كل هذا الكم الهائل من الأموال لإعادة إنشاء قوة نووية لن يتم استخدامها على الأرجح. ------- والتر بينوكس محلل سياسي أميركي -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»