حرصت على متابعة المظاهرة الكبرى التي نظمت في باريس ضد الإرهاب على شاشة «س. إن. إن» والقنوات الفرنسية. كان الحدث مهيباً في تعبيره عن وحدة شعوب العالم وفئات الشعب الفرنسي من مسلمين ومسيحيين ويهود حول رفض الإرهاب والعنف كوسيلة لحل الخلافات. لاحظت عندما بدأ زعماء الحكومات الخروج من قصر الرئاسة الفرنسي ليتجهوا إلى موقع المظاهرة أنهم كانوا يتجهون إلى أوتوبيسات قريبة من القصر ويصعدون إليها دون تأخير. عندما خرج بنيامين نتنياهو من باب القصر اتجه إلى الساحة التي بها الأتوبيسات ووقف ينتظر عدة دقائق دون أن يظهر أوتوبيس يقله وبعد وقت ظهر على وجهه الضيق أمام الكاميرات وقرر أن يسير بعيداً عن موقع الكاميرات حتى يحفظ صورته. حتى تلك اللحظة كنت أظن أن الأمر عفوي غير أن تقريراً نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية كشف لي أن هذا الموقف كان جزءاً من سلسلة إشارات فرنسية تهدف إلى إظهار عدم الترحيب بهذا الضيف الثقيل. جاء تقرير الصحيفة تحت عنوان «في فرنسا قالوا: من الأفضل ألا يصل نتنياهو» وقال التقرير إن رجال قصر الإليزيه كانوا يفضلون ألا يصل نتنياهو إلى باريس في هذه المناسبة وأنهم كانوا يقولون في الأحاديث المغلقة إن سفره إلى فرنسا هو جزء من حملة ليكود الانتخابية ولذلك قرروا إبراز الدعوة للرئيس الفلسطيني محمود عباس. لاحظت شخصياً أنه عندما اصطف الزعماء في صفوف كان في الصف الأول كل من الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية ورئيس الوزراء البريطاني وملك وملكة الأردن والرئيس الفلسطيني، وأن نتنياهو كان في الصف الثاني متجهم الوجه، وإلى جواره وزير خارجيته. عندما تحول الموكب سيراً على الأقدام جاهد نتنياهو ليحشر نفسه في الصف الأمامي. إن تقرير «يديعوت أحرونوت» لم يشر إلى هذه اللقطة، ولكنه أوضح أن الفرنسيين وضعوا عراقيل عديدة أمام طلبات نتنياهو في إشارة إلى عدم الترحيب. اتضح أيضاً أن الفرنسيين كانوا غاضبين من نتنياهو الذي أساء إلى فرنسا عندما دعا يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل، وكأنه يتهم الدولة الفرنسية بعدم القدرة على حماية مواطنيها اليهود في أعقاب حادث احتجاز عدد منهم في محل البقالة اليهودي للأطعمة الشرعية أي «الكوشير».. أيضاً ظهر أن الرئاسة الفرنسية كانت تخشى من أن يؤدي ظهور نتنياهو بسياساته المعادية للسلام ولإقامة الدولة الفلسطينية إلى صرف الأنظار عن الهدف الرئيسي للتظاهرة الدولية، وهي مكافحة الإرهاب، وأن يضع قضية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في مقدمة الصورة. لقد صوتت فرنسا في مجلس الأمن لمصلحة مشروع القرار العربي المنادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وسبق ذلك قيام البرلمان الفرنسي بالموافقة المبدئية على إقامة الدولة الفلسطينية، وبذلك وجد نتنياهو نفسه معزولاً في الساحة الفرنسية. لقد جاء العمل الإرهابي ليمنح هذا السياسي الإسرائيلي المتطرف والمؤمن بالتوسع والاستيلاء على الأراضي العربية فرصة لحشر نفسه في مقدمة الصفوف في تظاهرة باريس. رغم ذلك فإن الصحافة الإسرائيلية فضحت حقيقة عدم الترحيب الفرنسي به كما فضحتها كاميرات التلفزيون كما أوضحت. رئيس قسم الدراسات العبرية بجامعة عين شمس