برّر «أحمد كوليبالي» وهو أحد الإرهابيين الثلاثة الذين قاموا بمجزرة باريس، وتسببوا في قتل (17) شخصاً بريئاً و(20) جريحاً، فعلته بقوله (ما نفعله أمر شرعي تماماً، نظراً لما يقومون به، إنه انتقام يستحقونه منذ زمن، لا يمكن الهجوم على الخلافة والدولة الإسلامية «داعش» من دون توقع رد)، وأضاف - بحسب ما جاء على مواقع التواصل الاجتماعي لحسابات الإرهابيين - توقعون ضحايا أنتم وتحالفكم «ضد داعش» تقصفون هناك (سوريا والعراق) بانتظام، تقتلون مدنيين ومقاتلين، لماذا؟ لأننا نطبق الشريعة، لن نترككم تفعلون ذلك «ثم أضاف تبريراً ثانياً لفعلته موجهاً خطابه للمسلمين «ماذا تفعلون يا إخوتي؟ ماذا تفعلون عندما يقاتل (دين) التوحيد مباشرة؟ عندما يُشتم الدين الإسلامي تكراراً؟ إذن هو قام بهذا العمل، كرد فعل لأمرين: انتقاماً وثأراً لـ«داعش» ودولته من «التحالف» الذي يقصف «داعش»، وانتقاماً وثأراً للنبي عليه الصلاة والسلام من المستهزئين. من أين لهذا الفرنسي من أصول أفريقية هذا التبرير الخادع المخاتل؟! إنه من عندنا، من الشرق، من خطبائنا ودعاتنا، من خطابنا الديني العام والرائج عبر عقود عدة، يقف خطيبنا على المنبر صارخاً، في المسلمين بالثأر لكرامة الأمة ضد الغرب العدواني الصليبي الحاقد، مثل هذا الخطاب التحريضي المضلل يبث كل أسبوع عبر المنابر والمواقع والفضائيات على امتداد الساحة الإسلامية، يزرع «الكراهية» في عقول ونفوس، غضة، تجاه «الغرب» الموصوف في الخطاب الديني، بالمادي، الإباحي، والمتهم بغزو المسلمين، فكرياً ودينياً وعسكرياً، بهدف تفرقتهم ومنع وحدتهم والتحكم في مقدراتهم، وبطبيعة الحال، فليس كل مسلم، مستجيباً، لهذا الخطاب، لكن لو افترضنا أن واحداً في المئة من المسلمين الذين يزيدون على المليار والنصف، فإن الحصيلة كبيرة! لقد ظلّ هذا الخطاب المضلل، يبرر ويروج بأن الإرهاب الذي يتنامى في ديار المسلمين وفي الغرب، ما هو إلا «رد فعل» طبيعي وشرعي ضد مظالم الغرب للمسلمين، تفجيرات 11 / 9، سببها سياسة أميركا الظالمة في الشرق الأوسط، خاصة قضية فلسطين، وعدوانها على العراق، وهجومها على أفغانستان وقتلها المجاهدين الأفغان وضيوفهم، أميركا سبب كل مصائب المسلمين، فهي تكيل بمكيالين، وتنحاز انحيازاً أعمى لإسرائيل وتتآمر على المسلمين، والغرب معها في هذا العدوان؛ ولذلك فإن ما حصل وما سيحصل من قبل شباب المسلمين، يُعد أمراً مبرراً وجزاءً وفاقاً، ورداً عادلاً على تلك المظالم، هذه التبريرات الخادعة لها الرواج والهيمنة في الساحة الشعبية. وفي تبرير تنامي المنظمات الإرهابية، قيل «أميركا استفزت الإرهاب، فخلقت المئات من بن لادن»، وما إن يحصل عمل إرهابي إلا ويطل علينا محللون، ليربطوه بالعديد من القضايا: التوتر الإقليمي، المشروع الإسرائيلي، مذابح العراق، القهر، الإحباط، الظروف الاقتصادية، المناخ المشحون، الاستفزازات الغربية، وغيرها من القضايا، إلا السبب الحقيقي، البسيط والواضح وهو أن هؤلاء الإرهابيين يريدون استعادة الفريضة الغائبة «الجهاد» وإقامة «دولة الإسلام» وتطبيق الشريعة بحسب مفهومهم العدواني، يتعمد الخطاب الديني المضلل تجاهل الأسباب الحقيقية للإرهاب، بتحميله على الآخر الغربي أو تسلط الأنظمة العربية العميلة للغرب بحسب زعمه، لكن هذا الخطاب لا يوضح للناس: لماذا ضربت أميركا «طالبان» وضيوفهم من «القاعدة»؟ ولماذا غزت العراق؟ ولماذا تقصف، ومعها التحالف، «داعش»؟! لا يقول لنا: من هم المسلمون الذين ضربتهم ولا تزال تضربهم أميركا ودول الغرب؟ هل هم أبرياء، لم يسبق لهم أن كانوا البادئين بضرب أميركا في الصومال والسعودية وكينيا وتنزانيا واليمن، ولم يكفهم كل ذلك حتى ذهبوا وضربوها في عقر دارها؟! وإذا كانت أميركا غزت العراق، ألم يكن ذلك بطلب من الشعب العراقي لتخليصه من نظامه القمعي بعد أن تخلى النصير العربي؟! لا يقول لنا هذا الخطيب الغاضب، إننا مسؤولون عما نشكو منه، وإن ما يحصل لنا، يأتي جراء ما جنت أيدينا، «وما كان ربك بظلام للعبيد» فشلنا في تربية بعض أبنائنا فانقلبوا علينا وعلى العالم! لا يتحدث عن مسؤولياتنا ودورنا، وإنما كل همه دفع أولادنا للهلاك! يدخل أحدهم مطعماً مزدحماً بالعمال الكادحين في بغداد، يفجر نفسه فيهم ليقتل أكبر عدد منهم، ويدخل مسجداً غاصاً بالمصلين فيفجرهم، ما علاقة هؤلاء الأبرياء بفلسطين والمظالم الأميركية؟! الحوثيون في اليمن يقتلون ويدمرون ويرفعون شعار «الموت لأميركا». ما العلاقة؟! «طالبان» تقتل أطفالاً في المدارس بدم بارد، و«داعش» تقتل الإيزيديين والمسيحيين وتسبي النساء وتباع كالجواري.. ما علاقتهم بأميركا والغرب؟! إنها «الكراهية» المتأصلة لا «المظالم» المدعاة، كذباً! تسييس الدافع الإرهابي يديمه وينميه، هاتوا لي مبرراً واحداً شرعياً أو مصلحياً أو منطقياً لمعاقبة شعب كامل بجريرة صحيفة مسيئة؟! «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، (... وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلّا تَعْدِلُوا ...)، أين ذهبت هذه التعاليم؟! لقد تعرض رسولنا الكريم لإساءات أكبر من قومه فقال القرآن «إن شانئك هو الأبتر»، وقال «ولا يحزنك قولهم، إن العزة لله جميعاً» الله تعالى ناصر دينه ورافع مكانة نبيه ولن يمسه تطاولهم، بل يعود عليهم خسراناً وحسرة، لقد فشل خطابنا الديني في تقديم خطاب متصالح مع مجتمعه ومع العالم، وفشل في تحصين شبابنا، وحمّـل إلى الغرب آفاتنا.