بدأت في الخرطوم اجتماعات لجنة تضم وزير خارجية الصين ووزير خارجية السودان ووزير خارجية إثيوبيا- وهذا الأخير هو رئيس لجنة الوساطة التى تقوم بها «إيقاد» بين طرفى النزاع في جنوب السودان، إضافة إلى وزير خارجية دولة جنوب السودان وممثلين عن «رياك مشار». يكتسب الاجتماع أهميته أنه ينعقد بمبادرة من حكومة الصين. وقالت الخارجية الصينية في بيان لها: إن دعوتها لهذا الاجتماع تهدف للتشاور مع دول «إيقاد» وأطراف الصراع في جنوب السودان حول أنجع السبل لتحقيق المصالحة والسلام والاستقرار في جنوب السودان، ومساندة جهود «إيقاد» لتحقيق هذه الأهداف. وقد أبدت الصين اهتماماً كبيراً بالصراع الدموي الدائر في دولة الجنوب بين رئيس الدولة الجنرال سلفاكير ونائبه السابق رياك مشار منذ بدايته أوائل العام الماضي، وقامت الدبلوماسية الصينية بعدة محاولات لاحتوائه وإطفاء حريق الجنوب. وقد حثت بكين الخرطوم أكثر من مرة على بذل جهود مع طرفي الصراع، فالسودان متضرر من هذا التوتر ليس فقط بما نجم وينجم عنه من تدفق للاجئين الجنوبيين في الولاية المتاخمة لحدود السودان، والذي تمدد ليشمل الخرطوم، بل إن السودان متضرر أيضاً وبصورة كبيرة من انخفاض صادرات النفط– إنْ لم يكن انعدامه أحياناً- عبر خط أنابيب البترول التي تصل إلى ميناء بورتسودان. وليس غريباً أن تبدي الصين هذا الاهتمام المتزايد بشأن أوضاع الجنوب والحرب الدائرة فيه، فإنها أيضاً متضررة من ذلك، فهي المستثمر الأكبر في نفط السودان ونفط جنوب السودان. وبحكم المصالح الاقتصادية، فقد خلقت الصين علاقة متميزة بينها وبين دولة جنوب السودان، مما جعلها تسعى وبنشاط عملي لاستعادة الاستقرار والأمن والسلام في الجنوب. فالجنوب الآن على قمة أجندة الخارجية الصينية في أفريقيا، ولأول مرة في تاريخها، تشارك الصين في قوات حفظ السلام الأممية بقوات قوامها 700 جندي صيني من قوات المشاة، ترابط في جنوب السودان. لقد جاءت مبادرة الصين بالدعوة لهذا الاجتماع في الخرطوم مصحوبة باتصالات ومحادثات مع دول «إيقاد» المؤثرة في الصراع الجنوبي ودعوتهم لممارسة مزيد من الضغط على طرفي النزاع للوصول إلى حل يُعيد السلام والاستقرار للجنوب. وتأمل الصين في الوصول إلى تفاهمات تؤدي إلى إنجاح قمة «إيقاد» المرتقبة. لكن يبدو أن حكومة الجنرال سلفاكير ماتزال متصلبة عند النقطة التي أفشلت جهود المفاوضات السابقة بينها وبين رياك مشار، إذ أنها استبقت اجتماع الخرطوم واجتماع أديس أبابا بهجوم شديد اللهجة على مشروع الوساطة بصفة عامة ووزير خارجية إثيوبيا بصفة خاصة، متهمة منظمة «ايقاد» بأنها تعوق تحقيق السلام في الجنوب، وتحاول فرض رأيها على جنوب السودان، واتهمت وزير خارجية إثيوبيا (رئيس لجنة الوساطة) بأنه تسبب في إجهاض حل أزمة الجنوب بإعلانه تأجيل المفاوضات (السابقة) في وقت كان الطرفان يقتربان فيه من الوصول إلى تسوية. هل ستنجح الصين في اجتماع الخرطوم باقناع الطرفين بضرورة الوصول إلى حل يحقق السلام والاستقرار، مستعملة «كروت» ضغطها الناعمة عليهما، قبل أن يتوجه الطرفان إلى أديس أبابا في الثامن عشر من هذا الشهر؟ فلننتظر لنرى.