مع الانهيار المستمر لأسعار النفط أدلى كل بدلوه، سواء في تفسير ما حدث أو ما يجب عمله لمعالجة التداعيات، حيث قدمت المؤسسات المهنية والمختصين تحليلات علمية، في حين استغل البعض هذه التطورات لتحقيق مكاسب سياسية بعيدة عن الواقع. في الأسبوع الماضي، أصدرت «الحركة الدستورية الإسلامية» في الكويت، وهي التسمية الرسمية لحزب «الإخوان المسلمين»، هناك، أشارت فيه إلى أن تراجع أسعار النفط يتطلب تنويع مصادر الدخل الوطني، إلا أنها اشترطت أن يتم ذلك وفق الشريعة الإسلامية. ومع أن تنويع مصادر الدخل مسألة معروفة للجميع، وهي موجودة على أجندة البرامج الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي، وتم تحقيق تقدم مهم في هذا الجانب في بعض دول المجلس في العقدين الماضيين، إلا أن ربط التنوع بالشريعة أمر يثير الاستغراب، وينم عن توجه لاستغلال وعي الناس البسطاء وتوجيههم لإيجاد تفسيرات بعيدة عن الواقع. والتنوع الاقتصادي الذي تسعى إليه البلدان المنتجة للنفط، يرمي إلى تطوير القطاعات غير النفطية، كالصناعات التحويلية والخدمات بتقنيات حديثة والاعتماد على اقتصاد المعرفة، كما أن هذا التوجه يشمل تطوير أنظمة المالية العامة وإيجاد نظام ضرائب يؤدي إلى زيادة دخل الدولة لتقليل الاعتماد على عائدات النفط في تمويل الموازنة العامة، تلك العوائد التي تشكل في الوقت الحاضر نسبة مرتفعة للغاية تتراوح ما بين 80 - 90%. هل في مثل هذا التوجه التنموي المهم يوجد نظام يعمل وفق الشريعة وآخر مخالف لها؟ بمعنى هل توجد صناعة بتروكيماويات حلال وأخرى محرمة؟ أو هل توجد شركة اتصالات وتقنيات حديثة إسلامية وأخرى غير إسلامية؟ الجواب بالطبع لا، إلا أن «الإخوان» يحاولون الإيحاء بربط ما حدث بالابتعاد عن تطبيق الشريعة، أما هدفهم غير المعلن، فهو إبطاء النمو الاقتصادي المتوقع، وعرقلة أي مشاريع تنموية متوقعة ضمن نهج تخريبي درجوا عليه طوال تاريخهم، على اعتبار أنه لا يمكنهم العمل إلا في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة، لذلك رأينا تخريبهم لمؤسسات اقتصادية وتجارية وسياحية في مصر خلال السنوات الأربع الماضية، وحرقهم مؤخراً خزانات الوقود في ليبيا ووقوفهم ضد برامج تنموية مهمة في بعض دول الخليج التي تتيح لهم هامشاً كبيراً للتحرك ويحتلون فيها مقاعد برلمانية، كالكويت، التي تعتبر أقل دول المجلس تنويعاً لمصادر الدخل بسبب تدخلات أعضاء مجلس الأمة «البرلمان» ورفضهم المستمر للمشاريع التنموية الحكومية. ولنأخذ على سبيل المثال صناعة الألمنيوم، فبعد النجاح الكبير لمصنعي الألمنيوم في دبي والبحرين اللذين، أقيما في سبعينيات القرن الماضي، أعلنت بقية دول المجلس مشاريع ألمنيوم مماثلة، فأقيم مصنع ثان في دولة الإمارات بالعاصمة أبوظبي، لتتحول الإمارات إلى أحد أكبر منتجي الألمنيوم في العالم، كما نفذت بنجاح مشاريع في السعودية وعُمان وقطر، وحده مشروع الكويت بقي حبراً على ورق منذ عشرين عاماً، كما رفض مجلس الأمة ومن ضمنهم نواب «الإخوان» مشروعاً بتروكيماوياً رائداً بمبلغ 9 مليارات دولار قبل ثلاثة أعوام دون أسباب مقنعة. بالتأكيد انخفاض أسعار النفط سوف يسرع من خطى دول مجلس التعاون لتنويع مصادر الدخل، إذ أعلنت في الفترة الأخيرة وبالذات في دولة الإمارات مشاريع استراتيجية من ضمنها التحول نحو اقتصاد المعرفة، ووضعت توجهات عملية لإنجاز مثل هذا التوجه. وبما أن «الإخوان» لا يروق لهم هذا التوجه، فإن التفسير الوحيد لبيانهم هو محاولة فرز المشاريع التنموية على أساس شرعي وغير شرعي يحاولون من خلاله عرقلة البرامج التنموية للحكومة الكويتية لتأجيج الرأي العام، ومن ثم إلقاء اللوم على الدولة هناك، مما يستدعي وقف هذا التلاعب السياسي الرخيص بمستقبل التنمية والسير بخطى حثيثة نحو إيجاد اقتصاد كويتي أكثر تنوعاً واستقراراً.