شَكّلَ عام 2012 نقطة مهمة في تاريخ عالم السياحة الدولية، مع تخطي عدد السائحين الدوليين لرقم المليار لأول مرة في التاريخ، وهؤلاء أنفقوا مجتمعين أكثر من 1.03 تريليون دولار (3.8 تريليون درهم). ومن بين هذه التريليونات، أنفق السائحون الصينيون 102 مليار دولار، مما جعل إنفاق الصينيين هو الأكبر بين جميع شعوب ودول العالم، متخطين بذلك مجمل إنفاق السائحين الأميركيين أو السائحين الألمان. وهو ما اعتبر متوافقاً مع الاتجاه الملحوظ، في تزايد نصيب شعوب دول الاقتصادات النامية الحديثة، مثل روسيا والبرازيل، من مجمل الإنفاق العالمي في قطاع السياحة. وتظهر هذه الأرقام، مدى الأهمية البالغة التي أصبحت تحظى بها السياحة الدولية كمصدر دخل للعديد من الدول والشعوب، وكمصدر رزق حيوي لأعداد كبيرة من الأفراد ومن المجتمعات. وهي الأهمية التي كان قد أكدها إعلان «مانيلا» للسياحة الدولية عام 1980، عندما وصفها بأنها «نشاط أساسي لحياة الأمم، نتيجة تأثيراتها المباشرة على القطاعات الاجتماعية، والثقافية، والتعليمية، والاقتصادية، للمجتمعات المحلية، وعلى علاقتهم الدولية». ويكفي لكي ندرك مدى ونطاق هذه الأهمية الاقتصادية، أن نسترجع حقيقة أن السياحة الدولية مسؤولة عن 30 بالمئة –الثلث تقريباً- من مجمل النشاطات الخدمية الاقتصادية الدولية. ويعود تعاظم الحجم الاقتصادي للسياحة الدولية، إلى الأشكال والأنواع المتعددة التي اتخذتها عبر القرون والسنين، بحيث لم تصبح تقتصر على السفر من أجل الراحة، والترفيه، وتغيير المناظر فقط. من هذه الأشكال، نذكر؛ السياحة المستدامة، والبيئية، والزراعية، والثقافية، والتراثية، والدينية، والبحرية، والعسكرية، وغيرهم. وربما كان من أغرب الأنواع الحديثة للسياحة الدولية، ما يعرف بسياحة مدن الصفيح، والمناطق العشوائية الفقيرة على أطراف المدن، وسياحة «الجيتو» أو الأحياء التي يقطنها أغلبية من السكان المنتمين لخلفية عرقية، أو ثقافية، أو دينية، مختلفة عن خلفيات سكان بقية أحياء المدينة. وأحياناً ما يخدم قطاع السياحة اهتمامات شخصية محددة، مثل سياحة الطهي وفنون الطبخ، أو سياحة الرياضات العنيفة، والسفاري. ومؤخراً انتشر نوع من السياحة، يعرف بالسياحة الافتراضية (Virtual Tourism)، الذي يعتمد على وسائل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، للسفر الافتراضي بالسائح إلى الأماكن البعيدة، دون أن يغادر مدينته، أو حتى منزله. والسياحة الطبية أوالعلاجية، من أشكال السياحة الدولية التي تطورت حديثاً بشكل ملحوظ، وأصبح دخلها الاقتصادي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات. فعلى حسب تقرير صدر عام 2010، عن إحدى الشركات المتخصصة في الأبحاث والدراسات الاقتصادية، قدر الحجم الاقتصادي للسياحة العلاجية -نهاية عام 2010- بـ78.5 مليار دولار، وأكثر من 100 مليار دولار عام 2012، مع تقدير نسبة النمو ما بين 20 و30 بالمئة سنوياً. ويقدر التقرير أيضاً، أن عدد المرضى الذين يرتحلون بين دولة ودولة، وأحياناً بين قارة وقارة، طلباً للعلاج والشفاء، يزيد على 3 ملايين مريض سنوياً. وتعتبر الولايات المتحدة حالياً من أهم الدول على صعيد تصدير واستيراد -إن صح التعبير- زبائن السياحة العلاجية، أما على صعيد القارة الأوروبية فتعتبر ألمانيا، ومن بعدها بريطانيا، من الدول التي تتمتع بأهمية خاصة في هذا النشاط الاقتصادي المتزايد في الحجم. وعلى الرغم من الفوائد الجمة للسياحة الدولية كنشاط اقتصادي بالغ الأهمية، إلا أنها كثيراً ما تحمل أيضاً في طياتها آثاراً سلبية فادحة؛ مثل تدمير البيئات الطبيعية، وانقراض الأنواع النادرة من الحيوانات البرية، وتشويه وتدمير الآثار التاريخية، واستغلال السكان المحليين. وأحياناً يؤدي ازدهار قطاع السياحة الدولية إلى تأثيرات سلبية دائمة على الثقافات المحلية، تتجسد في تواري العادات والتقاليد، وانحسار التمسك بالزي التقليدي وبفنون الطهي التراثية، وربما حتى انقراض اللغات المحلية. وفي ظل واقع التزايد الواضح في معدلات السياحة الدولية، وفي أعداد السائحين عاماً بعد عام، يتوقع لمثل هذه المضاعفات الجانبية للسياحة –إنْ صح التعبير- أن يتعاظم أثرها ووقعها. وهو ما يجعل من الأهمية الفائقة إدارة هذا القطاع الاقتصادي الحيوي، بشكل يتيح للمجتمعات المستضيفة، أن تحقق أكبر قدر من الفائدة، دون أن تفقد خصوصياتها، وآثارها، وثقافتها، وبيئاتها الطبيعة، وغيرها من العوامل التي كانت مصدر جذب للسياح في الأساس.