خلَّف غياب مشاركة كبار المسؤولين الأميركيين في المسيرات التي شهدتها باريس وواشنطن يوم الأحد الماضي للتعاطف مع فرنسا والتنديد بالإرهاب، تساؤلات كثيرة لدى العديد من الملاحظين حول سبب عدم مشاركة إدارة أوباما في المناسبة وتضييعها لفرصة إبداء التعاطف مع بلد مثل فرنسا ساهم أكثر من مرة في دعم الولايات المتحدة ومساندتها في وقت الأزمات. هذا التساؤل أثاره على شاشة «سي. إن. إن» المعلق «جيك تابر»، مشيراً إلى غياب واضح لمسؤولين أميركيين في مسيرة باريس، وهو الأمر الذي كان بالفعل لافتاً قياساً إلى مشاركة العديد من قادة الدول البارزين مثل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، فضلا عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، فيما اقتصر التمثيل الأميركي على السفيرة «جين هارتلي» في باريس، التي قادت الوفد الأميركي في مسيرة يوم الأحد الماضي، وأضاف «تابر»، معلقاً على الحدث «لا أقصد توجيه اللوم لإدارة أوباما، لكني كأميركي كنت أتمنى بالفعل لو أننا مُثلنا على نحو أفضل في المسيرة إلى جانب قادة الدول، الذين توافدوا على باريس للتعبير عن تعاطفهم مع فرنسا». والغريب أنه حسب التقارير الإعلامية لم تكن أجندة أوباما، ولا نائبه جون بايدن مزدحمة إلى حد تحول دون ذهابهما إلى فرنسا، حيث كان أوباما يوم الأحد الفائت في واشنطن، فيما لم يكن نائبه بعيداً عنه. وفي شرح أسباب الغياب الأميركي قال أحد المسؤولين في الإدارة إن الإجراءات الأمنية المطلوبة في حال حضور الرئيس، أو نائبه ستكون مكثفة إلى درجة ستخطف الأضواء عن المسيرة ذاتها لتركز على الوفد الأميركي البارز، وهو ما لم يرغب فيه المسؤولون الأميركيون الذين أرادوا للحدث أن يكون فرنسياً بامتياز دون تدخل لمؤثرات خارجية، وتابع المسؤول الحكومي الأميركي أن وزير العدل، إيريك هولدر، ونائب وزير الأمن الداخلي، ألخاندرو مايوركاس، كانا في باريس خلال المسيرة، لكنهما لم يحضرا لارتباطهما باجتماعات أخرى مع مسؤولين فرنسيين، أما في واشنطن التي شهدت هي الأخرى مسيرة منددة بالإرهاب، فقد قادت رئيسة صندوق النقد الدولي، الفرنسية «كريستين لاجارد»، مسيرة من ألف شخص مع السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة، ومن اللافتات التي رفعت خلال مسيرة واشنطن تلك التي أعدها، سين ماكروهون، أحد المشاركين، والتي كتب عليها «نحن هنا لافاييت وشارلي» في إحالة على ما يبدو إلى العبارة التي رددها الجنرال الأميركي «جون بيرشين» في العام 1918 عندما قدمت الجيوش الأميركية لمساعدة فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى. وفيما لم يشارك في مسيرة واشنطن أي من المسؤولين الرسميين الأميركيين إلا أن البعض شاهد «جون سوبكو»، المفتش العام المعني بإعادة الإعمار في أفغانستان، الذي يبدو أنه شارك في المظاهرة الصامة على نحو شخصي دون صفته الرسمية، حيث خرج مع أسرته للمشاركة، قائلاً «أردت التعبير عن تعاطفي مع الشعب والشرطة الفرنسيين، فنحن مع حرية التعبير، كما أننا معرضون لخطر الإرهاب في أميركا». والحقيقة أنه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد أن أوباما ليس مهتماً بالأحداث المأساوية، التي شهدتها فرنسا في الأسبوع الماضي، أو أن إدارته لم تقم بما يلزم لتقديم يد العون للسلطات الفرنسية وأجهزتها الاستخباراتية، كما أوباما اتصل فوراً بنظيره الفرنسي «فرانسوا أولاند»، وقدم تعازيه للسفارة الفرنسية في واشنطن، هذا ناهيك عن الاتصالات المستمرة بين المسؤولين الأميركيين ونظرائهم الفرنسيين منذ وقوع الحادث، لكن مع ذلك لام البعض -من الذين شاركوا في المسيرة- واشنطن لعدم حضور أوباما، مشيرين إلى أن الرئيس أهدر فرصة تعزيز العلاقة مع أحد أهم حلفاء أميركا في العالم الغربي، وأن الأمور الصغيرة التي قد لا يهتم بها ربما يكون لها أثر بالغ في تعزيز التعاون بين الدول الصديقة كما هو عليه الحال بالنسبة للولايات المتحدة وفرنسا. ------- جوش روجين، كاتب أميركي متخصص في الشؤون الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»