خلافاً للزعماء الأميركيين، توجه رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أولو إلى باريس قصد المشاركة في المسيرة المناهضة للإرهاب يوم الأحد الماضي. ولا شك أن ذلك مثّل قرارا صائبا بالنسبة لرجل وبلد تحدوهما طموحات في كل من الشرق الأوسط وأوروبا؛ غير أن الشيء الوحيد الذي لم يستطع «داوود أوغلو» الانضمام فيه إلى المشاركين في المسيرة هو شعار «أنا شارلي». ذلك أن الحكومة التركية لا تحترم حرية رسامي الكاريكاتير، أو الصحافيين بشكل عام، في التعبير داخل البلاد. ففي 2005، عندما قامت صحيفة دنماركية بنشر رسوم كاريكاتيرية تصوّر الرسول، ندد رئيس الوزراء وقتئذ والرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، بذلك بشدة، مؤكداً على أن لحرية التعبير حدوداً، وأن الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها صحيفة «شارلي إيبدو» تنتهك بشكل واضح الخطوط التي يريد من أوروبا أن ترسمها. واليوم، يتابع أردوغان رسامي الكاريكاتير الأتراك في المحاكم بسبب أشياء أقل بكثير. فمثلما كتبت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا، فقد الرئيس التركي استأنف حكما يبرئ ساحة رسام الكاريكاتير موسى كارت، الذي رفع عليه الرئيس التركي دعوى قضائية العام الماضي بسبب سخريته من قمعه لادعاءات تتعلق بالفساد ضد الحكومة. غير أن ذلك ليس بالأمر الجديد في الحقيقة. ففي عام 2011، كنت قد كتبتُ عن كيف أن إيردوجان يقاضي العشرات من الأشخاص على الأقل، وربما المئات (لم يكن ثمة رقم رسمي)، بتهمة الإساءة إليه، ومنهم معلم للغة الإنجليزية قام بإلصاق صورة لرأس أردوغان على كلب (والرئيس الأميركي السابق جورج دبليو. بوش يمسك بالمقود)، وفنان كوميدي، وفرقة طلابية لمسرح الشارع. ولا شك أن الأمر كان سيكون مضحكاً وطريفاً لو أن المقاربة التي انتُهجت لم تكن جد قمعية. منظمة «مراسلين بلا حدود»، قالت إنها «تشعر بالغضب» بسبب مشاركة داوود أوغلو، من بين آخرين، في مسيرة الأحد، وذلك على اعتبار أن لدى تركيا رصيداً فظيعاً في حرية الصحافة. والواقع أنه بالنظر إلى عدد الصحافيين الذين يقبعون في السجون التركية، فإن ذلك شعور يمكن تفهمه. واللافت أيضا أن قتل رسامي شارلي إيبدو وضع زعماء تركيا في وضع صعب للغاية، وذلك لأنهم يكرهون ما تمثله «شارلي إيبدو» وترمز إليه. ذلك أن رسامي الكاريكاتير الفرنسيين يتقاسمون النوع المتشدد نفسه من العلمانية التي تبناها مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك لإنهاء العلاقة مع الامبراطورية العثمانية؛ حيث اتخذ أتاتورك الثورةَ الفرنسية نموذجاً في تحييد السلطة السياسية للدين. وبالمقابل، يصارع أردوغان مثل هؤلاء العلمانيين المتشددين طوال حياته، على غرار داوود أوغلو، علماً بأن قتالهم يحظى بدعم الأغلبية المحافظة في تركيا. ومع ذلك، فإنني مازلتُ أعتقد أن داوود أوغلو اتخذ قراراً صائباً بذهابه إلى باريس. ذلك أنه من الممكن أن يكون صادقاً في التنديد بالهجمات الإرهابية وقامعاً لحرية التعبير في الوقت نفسه، وذلك لأن الحكومات هي التي تحدد معايير حرية التعبير في نهاية المطاف بينما الإرهابيون لا يفعلون ذلك – ويقتلون من أجل ترك وقع وتأثير. ومثلما جادلتُ بذلك من قبل، فإن تلك الهجمات الإرهابية لم تكن تتعلق بحرية التعبير فحسب. ثم إنه من التطرف القول إن شخصاً يختلف مع الرسوم الكاريكاتيرية لا يمكنه أن يعلّق أيضا على قتل صحفيي شارلي إيبدو. اليوم، سيتعين على فرنسا ومواطنيها المسلمين أن يتعاطوا مع مشكلتي التهميش وبطالة الشباب اللتين أدتا إلى أعمال شغب في ضواحي باريس من قبل، والخيارات التي لا يمكن قبولها أو تبريرها التي يقوم بها رجال مثل شريف وسعيد كواشي. وسيكون من الجميل تأمل وحشية ما حدث في شارلي إيبدو، والتفكير في أن حقيقة أن ضابط شرطة مسلم قُتل أيضا في الهجوم، سيكون عاملاً مساعداً على العلاج والتعافي. إن مسيرة يوم الأحد يمكن أن تمثل بداية، ولكني أعتقد أنها لن تساعد كثيراً. ذلك أنه حالما تتلاشى مشاعر الصدمة والرعب الفورية، فإن مظاهر الوحدة التي شوهدت في باريس (انضمام المسلمين وغير المسلمين في قضية مشتركة) ستزول وتختفي على الأرجح أيضا. بيد أن المؤكد هو أن المهاجرين الأتراك في أوروبا سيواصلون التمتع بحرية أكبر في انتقاد زعمائهم السياسيين، والسخرية من الدين، مقارنة مع ما كان سيُسمح لهم القيام به في بلدهم. والأكيد أيضا أن زعماء تركيا ليسوا حتماً «شارلي»، فلو أمكنهم ذلك، لوضعوا رسامي شارلي إيبدو جميعا وراء القضبان. ------- مارك تشامبيون، كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»