عندما هُدم جدار برلين وتحررت أوروبا الشرقية وانهار الاتحاد السوفييتي، اعترف العالم بدور هيئة البث الإذاعي الدولي الأميركي، حيث أكد فاكلاف هافل وليخ فاليسا وبوريس يلتسن وزعماء آخرون، في أعقاب هذه الأحداث التي غيّرت وجه العالم، بأن «إذاعة أوروبا الحرة» و«إذاعة الحرية» و«صوت أميركا» لعبت دوراً محورياً في التحولات الديمقراطية التي عرفتها بلدانهم حيث كانت هذه الإذاعات تقدم معلومات أساسية لكل من كانوا يتطلعون إلى التغيير وساهمت في تسريع التغيير. ولئن كانت كوبا تقترب من مثل هذه اللحظة اليوم، فإن الولايات المتحدة لديها مرة أخرى وسيلة قوية وفعالة للمساعدة على تحديد ملامح المستقبل. وفي هذا السياق يجدر التذكير بأن راديو وتلفزيون مارتي الموجود مقره في مدينة ميامي أُسس في عام 1984 وفق نموذج «إذاعة أوروبا الحرة» و«إذاعة الحرية» كوسيلة إعلام «بديلة» تقدم المعلومات والأخبار الدقيقة التي حرم منها الكوبيون حول التطورات في كوبا والعالم. وتشير تجربة «إذاعة أوروبا الحرة» و«إذاعة الحرية» إلى أن دور مارتي سيصبح أكثر أهمية في وقت تُستأنف فيه العلاقات الأميركية مع كوبا وتُوسع فيه الروابط الثقافية والتربوية والاقتصادية معها. ولأن وسائل الإعلام الداخلية ما زالت تخضع لرقابة الدولة ووصايتها، فإن الكوبيين سيلجأون إلى مارتي من أجل الحصول على معلومات وأخبار حول المجتمع المدني، واحتجاجات حقوق الإنسان، ومدونات المعارضة المحلية، وقوانين السفر، والتطورات الاقتصادية، والفضائح داخل النظام -وباختصار، من أجل كل الأخبار الداخلية مع تركيز خاص على الأصوات الواردة من كوبا حول كوبا. وهذا الدور الإعلامي الشامل البديل لن تضطلع به «سي إن إن» أو وسيلة إعلام تجارية أخرى، كما أنه لا ينبغي أن يُنظر إليه -مثلما كان بعض الدبلوماسيين الأميركيين ينظرون إلى «إذاعة أوروبا الحرة» و«إذاعة الحرية» من حين لآخر- كمصدر لتنغيص تحسن العلاقات بين الدولتين. والأكيد أنه يوماً ما، عندما تصبح كوبا حرة وديمقراطية على غرار البلدان الشيوعية السابقة في أوروبا الشرقية، مع وسائل إعلام حرة ومزدهرة، ستنتفي الحاجة إلى مارتي، ولكن إلى ذلك الحين، يمكن لمارتي أن يضطلع بدور مهم في دعم وتعزيز تحول ديمقراطي سلمي في كوبا. والواقع أن مارتي ذو تأثير لا يمكن إنكاره. فهذه الإذاعة، التي كانت موضوع سخرية بسبب محاولات غير ناجحة لبث برامجها انطلاقاً من طائرة تحلق غير بعيد عن المجال الجوي الكوبي، قررت التوقف عن ذلك في مايو 2013. واليوم، تبث الإذاعة برامجها على مدار اليوم والساعة على القمرين الصناعيين «هيسباسات» و«داريك-تي في»، اللذين يصلنا إلى كوبا ومعظم أميركا اللاتينية. ولاشك أن أحد المؤشرات على نجاح مارتي وفعاليته هو محاولات النظام الكوبي عرقلة برامجه، حيث يواصل النظام التشويش على البرامج التي يذيعها مارتي مع بعض النجاح، لاسيما في هافانا، ولكن مارتي يرد على ذلك عبر محاولة شراء حيز زمني على محطات تجارية في ميامي يصل بثها إلى كوبا بنجاح. كما يحاول النظام أيضاً عرقلة الوصول إلى موقع مارتي على شبكة الإنترنت، وهو ما تحاول إدارة مارتي الالتفاف عليه عبر توفير خوادم وسيطة. والواقع أنه لا أحد ينبغي أن يفترض أن انفتاح أوباما على راوول كاسترو سيؤدي بسرعة إلى حرية الصحافة، تماماً مثلما أن ميخائيل جورباتشوف أو فويسيتش ياروزلسكي لم يكونا مستعدين أيضاً لتخفيف قبضتهما على وسائل الإعلام السوفييتية والبولندية إلى أن أرغمهما الضغط الداخلي على القيام بذلك. بل إن علينا أن نتوقع من نظام كاسترو أن يعمل بشراسة لعرقلة حرية الإعلام، حيث من المرجح أن يكثف النظام الإجراءات الرامية إلى تحييد راديو وتلفزيون مارتي عن سكته في وقت يقوم فيه هذا الأخير بإطلاع الكوبيين على أزمة النظام الصعبة. والحقيقة أن العمليات الانتقالية خلال فترة ما بعد الشيوعية قد تطول وتصاب بالانتكاسات، ولكننا نعلم انطلاقاً من تجربتنا على الخطوط الأمامية لهيئة البث الإذاعي الدولي الأميركي أن أحداثاً غير متوقعة يمكن أن تساهم في تحسين وتعزيز دور الإعلام البديل وتسريع التغيير. فقرار أوباما إعادة إقامة علاقات دبلوماسية مع كوبا، وبغض النظر عما إن كانت ستعقبه عمليات تحرير أو مزيد من القمع والتضييق، من المرجح أن يكون عامل تغيير كبير لمارتي. فهذه هي اللحظة التي أنشئ من أجلها. وعلى البيت الأبيض والكونجرس أن يسخّرا كل الموارد اللازمة لمارتي حتى يوفر للكوبيين المعلومات والأخبار التي ستساعدهم على نيل حريتهم. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ إيه روس جونسون وإس. أندرز ويمبوش ------------ خبيران إعلاميان أميركيان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيو سيرفس»