رفض مجلس الأمن في نهاية الشهر الماضي مشروع القرار الذي وضعه الفلسطينيون في إطار محاولاتهم الدبلوماسية لاستصدار قرار أممي ينص على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين وفقاً للقرار 194 وإنهاء البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولم تضطر الولايات المتحدة لاستخدام «الفيتو» لأن ضغوطها على نيجيريا قد نجحت للأسف. ولقد كان هذا الرفض متوقعاً بل مؤكد بالنظر إلى أن الخارجية الأميركية لم تدع مجالاً لشك في أنها ستستخدم «الفيتو» لمنع صدور القرار إن حصل على الأغلبية المطلوبة بل إن الفلسطينيين أنفسهم لا شك كانوا يتوقعون ذلك وإن أقدموا على تقديم مشروع القرار لإبقاء قضيتهم على جدول الاهتمام الدولي وفضح المواقف الدولية ذات الانحياز الصارخ لإسرائيل. والمهم الآن أن ننظر في دلالات هذا الرفض والحجج التي استند إليها لأنها تفضح جوهر الموقف الأميركي المتهافت وكذلك المواقف المماثلة له. وثمة حجة لا تستحق التوقف عندها وهي ما قيل عن كون مشروع القرار لا يلبي الاحتياجات الأمنية لإسرائيل، فهذه الحجة على رغم سخافتها مألوفة، غير أن التهافت الحقيقي يظهر جلياً من الاعتراض على أن مشروع القرار يتضمن جدولاً زمنياً للانسحاب بأن يكون في غضون ثلاثة أعوام أي بنهاية 2017 فقد أصرت الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية على إلغاء الجدول الزمني من مشروع القرار. وفي تفسير أسباب التصويت بعد فشل المشروع في الحصول على الأغلبية المطلوبة خصصت بريطانيا في أسباب الرفض الصياغات في شأن المهل الزمنية واللاجئين وهذا السبب الأخير يمكن فهمه. أما الخارجية الأميركية فقد ذكر المتحدث باسمها أن «القرار يحدد مهلاً اعتباطية لنجاح مفاوضات السلام ولانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية»، وهو ما يثير التساؤل: هل إن هؤلاء الناس قد نسوا أم أنهم لا يعلمون أصلاً أم أن الاعتباط من نصيبهم هم؟ لقد طالت المهل الزمنية التي حددوها هم لست وثلاثين سنة دون أن يتحقق شيء فما هو المطلوب منا تحديداً في شأن الصبر على الاحتلال الإسرائيلي القائم على الأقل منذ 1967 أي منذ نصف قرن إلا ثلاث سنوات؟ لقد حددت «المهلة الزمنية» بمعرفتهم في اتفاقية كامب ديفيد 1978 بخمس سنوات أي أن الحل النهائي كان يفترض أن يتم التوصل إليه في 1983، ثم حددت في اتفاقية أوسلو 1993 بخمس سنوات أيضاً أي إن الحل النهائي كان موعده 1998، ثم حددت في خريطة الطريق 2004 بثلاث سنوات فأصبح الموعد 2007، ثم حددها مؤتمر أنابوليس في خريف 2007 بنهاية 2008، وأخيراً حددها وزير الخارجية الأميركي الحالي في بداية المدة الثانية من ولاية أوباما بعام 2013، فأين الاعتباط في هذا كله، ومن يا ترى هو الذي يلجأ إليه؟ وفي أعقاب رفض مشروع القرار كان طبيعياً أن يتخذ الرئيس الفلسطيني قرار التوقيع على 22 اتفاقية دولية على رأسها ميثاق روما الناظم لعمل المحكمة الجنائية الدولية، وقال أثناء التوقيع عبارة ليس هناك ما هو أبسط ولا أبلغ منها: «نريد أن نشتكي»، غير أنه من الواضح أنه حتى حق الشكوى محرم على الفلسطينيين، وأن المطلوب هو خنقهم وتكسير عظامهم! وقد استبقت إسرائيل هذه الخطوة بتحذير الفلسطينيين من مغبتها إذ إنهم هم الذين سيخضعون لها نظراً لما يقومون به من أعمال «إرهابية»، فلماذا الخوف إذن إذا كان الأمر كذلك؟ أما الخارجية الأميركية فقد وصفت الخطوة الفلسطينية بأنها تطور غير بناء، ولا يدري المرء ما هو ذلك الذي تهدمه الخطوة الفلسطينية سوى فضح إسرائيل قضائياً وتوقيع عقوبات لن تنفذ عليها وإن كانت ستمثل بالتأكيد خطوة مهمة على طريق الضغط من أجل تصفية العنصرية الصهيونية؟ وأضافت الخارجية الأميركية أيضاً أن هذا السلوك «لا يحقق شيئاً من تطلعات الشعب الفلسطيني إلى دولته المستقلة ذات السيادة»، فما الذي يحقق هذه التطلعات لديكم؟ ومن جانبها صدقت إسرائيل القول بالعمل فأوقفت تحويل عائدات الضرائب والجمارك المستحقة للسلطة الفلسطينية كعقاب لها، وردت السلطة بدورها باللجوء إلى ورقة وقف التنسيق الأمني، وزاد مسؤول كبير في الخارجية الأميركية بأن طلب الانضمام سيؤثر على المساعدات الأميركية للسلطة. المطلوب فعلاً هو خنق الفلسطينيين وتكسير عظامهم فما العمل؟ هذا هو السؤال.