عادت العمليات الإرهابية من عنف أفراد وجماعات ودول لتضرب من جديد في الشرق والغرب، على حد سواء، من «بوكو حرام» في نيجيريا، إلى حادث عرعر في السعودية، ومن البصرة إلى حلب، ومن غزة والضفة الغربية إلى باريس. كما استمرت المليشيات الشيعية في القتل والتهجير وممارسة تطهير مذهبي للسنة. ووصل الأمر إلى قتل الأئمة السنة في البصرة جنوب العراق.. وفجرت «القاعدة» أيضاً تجمع متطوعين في الجيش في صنعاء قتل فيه أكثر من 40 شاباً يمنياً.. وضاع الاهتمام الإعلامي بذلك الحادث الإرهابي بعد الهجوم المسلح على مقر صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة في باريس. وبسرعة احتلت فرنسا صدارة الأخبار بعد أن دفعت ثمناً كبيراً بهجوم إرهابي من شقيقين فرنسيين هما شريف وسعيد كواشي على مقر «شارلي إيبدو» في باريس، اللذين قالا إنه جاء انتقاماً من الاستهزاء بالرسول، صلى الله عليه وسلم، والسخرية برسم كاركاتير مسيء أكثر من مرة وبشكل معيب، تحت حجة حرية التعبير! فإذا بالشقيقين يقرران الانتقام والثأر على طريقتهما وقتلا 12 شخصاً في مبنى الصحيفة وخارجها بينهم شرطيان أحدهما مسلم.. كما سقط ضحية مسلم آخر من بين الأشخاص الذين قتلوا. وهذا الهجوم تلته اعتداءات على مساجد في فرنسا كردة فعل على العملية الإرهابية. وقتلت أيضاً شرطية فرنسية في حادث آخر في اليوم التالي. وأعقب ذلك احتجاز رهائن في متجر للسلع اليهودية، وقتل مهاجم 4 من الرهائن في المتجر، قبل أن يقتله رجال الأمن. أما الأخوان كواشي اللذان قاما بالاعتداء على «شارلي إيبدو» فقد حوصرا في مطبعة قبل أن يقتلا هما أيضاً، ما يرفع عدد ضحايا الأيام الثلاثة من المواجهات عموماً إلى عشرين قتيلًا في أسوأ موجة إرهاب تضرب فرنسا. وقد أتت تلك الاعتداءات، على خلفية مظاهرات يمينية متطرفة معادية للإسلام في ألمانيا، وقد نددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتلك المظاهرات التي وصفتها بالعنصرية. واستنكاراً لها لجأ المسؤولون إلى إطفاء الأنوار في العديد من المباني الرئيسية للرد على تلك المظاهرات العنصرية المعادية للإسلام. بدوره طمأن رئيس فرنسا فرانسوا أولاند الجالية المسلمة الكبيرة في فرنسا -أكثر من 6 ملايين- بأن «هولاء المتعصبين لا علاقة لهم بالإسلام». أما رئيس الوزراء مانويل فالس فقد أكد أن «فرنسا في حالة حرب ضد الإرهاب والإرهابيين وليس ضد دين معين». وهكذا عاد الحديث في أوروبا وأميركا مجدداً عن الإرهاب الإسلامي، الذي فجره بن لادن واعتداءات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وما تلا ذلك من مخاض الحرب على الإرهاب بقيادة بوش الابن، والمستمر حتى اليوم بقيادة أوباما من أفغانستان سابقاً إلى العراق وسوريا اليوم بعودة الولايات المتحدة لشن حرب مفتوحة -مع تحالف من ستين دولة- ضد «داعش» في العراق وسوريا. ولعل أكثر ما لفت انتباهي في زحمة الأحداث تلك، هو سقوط كثيرين في فخ شيطنة الإعلام الغربي للمسلمين ومحاولته ربطهم بالإرهاب، بينما الإرهاب لا دين ولا هوية. وقد تكرر كثيراً وصف الأخوين اللذين هاجما مقر الصحيفة في باريس بالإرهابيين المسلمين. ولذلك كان ملفتاً ومعبراً وذكياً رفض هاوارد دين رئيس الحزب «الديمقراطي» الأميركي ومرشح الرئاسة وحاكم ولاية فيرمونت السابق، علناً وصف المهاجمين بـ«الإرهابيين المسلمين» وطالب بنعتهم بـ«قتلة البشر». وأضاف: «لا أسمي أمثال هؤلاء إرهابيين مسلمين. لأن انتماء هؤلاء القتلة للإسلام كانتمائي أنا للإسلام.. ليس لدى هؤلاء أي احترام لحياة الناس وما يقومون به لا يمت للإسلام بصلة، خاصة أن أفعالهم تتعارض مع تعاليم القرآن.. وأعتقد أن داعش هي شرذمة وجماعة منحرفة، وليست حتى جماعة إسلامية». والحال أنني كنت أيضاً أود سماع هذا التصريح الجريء والموقف الشجاع من شخصيات ومؤسسات إسلامية وعلى رأسها منظمة التعاون الإسلامي.. التأكيد على عدم ربط الإسلام بالإرهاب. واضح إذن أن فرنسا تعيش اليوم ما أسماه البعض بأنه 11 سبتمبرها! ما يعيد عقارب الساعة للنفخ في دعاوى صراع الحضارات والأديان من جديد، بسبب الإساءة للإسلام من بعض هؤلاء الإرهابيين الذين يعطون الوقود لشيطنة الدين، على رغم رفض تعاليم الإسلام القاطع لما يقومون به. وعلى رغم أن الأغلبية الساحقة من ضحايا الإرهاب والتطرف الإسلامي يبقون أيضاً من المسلمين. ولكن ذلك لا يمنع من توظيف اليمين المتطرف مثل مارين لوبن في فرنسا، والتيارات المشابهة لها في أوروبا وأميركا، وكذلك الصهيونية وبعض الإعلام المعادي، لمثل هذه الأحداث، لتحقيق مآربهم وشن حربهم على الإسلام، وزعمهم الانخراط في مواجهة وصدام بين الحضارات والأديان، مستغلين مناخ الكراهية والعدوان الذي يوفره المتطرفون ممن يسيئون للإسلام ويمنحون أعداء الدين الحنيف الفرصة لشيطنته في عيون من لا يعرفونه على حقيقته السمحاء.