أين اختفى المصفقون والمطبلون لمدينة «الفلوجة المقاومة البطلة»؟ أين ذهبت مقالات الكتاب وكتب المؤلفين وكراريس المنشدين؟ «الفلوجة»، رمز المقاومة للاحتلال الأميركي والكفار الصليبيين! التي تغنى بها المشرق والمغرب العربي، واعتبرها «الجهاديون» من السلفيين و«الإخوان» من معارك الإسلام الحاسمة، تداولتها أيدي «المجاهدين» والتكفيريين والتصفويين والإلغائيين! فقدت المدينة اليوم أثراً بعد عين، ولحقت بمن سبقها في الصومال وأفغانستان.. وليبيا! كانت «الفلوجة» ثاني أكبر مدن الأنبار من حيث السكان والنشاط الاقتصادي بعد الرمادي، التي هي مركز المحافظة. «سكانها -أي الفلوجة- البالغ تعدادهم نحو 703 آلاف نسمة حسب إحصائية عام 2013»، يقول مناف العبيدي، «لم يتبق منهم في داخلها سوى 100 ألف فقط بعد عملية نزوح كبرى شهدتها المدينة، حيث إنها المدنية الأولى من مدن الأنبار التي وقعت تحت سيطرة مسلحي داعش قبل أكثر من سبعة أشهر». (الشرق الأوسط، 27 - 12 - 2014). «أكثر مدن الأنبار شهرة، بل والعراق كافة اليوم هي مدينة الفلوجة»، كتب الباحث العراقي د. رشيد الخيون عام 2004، وأضاف: «شَهَّرت الفلوجة جثثُ الأميركيين الأربعة، حيث سُحلوا وأُحرقوا، وتجمّع فيها مقاتلون عرب من كل حدب وصوب، ولولا الحل الأخير لتحولت إلى إمارة على طراز تور بورا الأفغانية». «مدينة الفلوجة»، أضاف د. الخيون في مقاله بمجلة «الديمقراطية»، يوليو 2004، «مدينة طريق»، يعيش أهلها على القوافل المارة فيها. وما يحدث من حروب عادة عندها، حروب بين الغرباء، ليس للفلوجيين ناقة فيها أو جمل، وأكثر ما اشتهر بين العراقيين كباب الفلوجة، وتكاد لا تخلو مدينة عراقية من مطعم كتب على واجهته كباب الفلوجة، لأنها أرض مراع ومزارع يُربّى فيها أسمن الغنم». وقد ركزت مطبوعات ومنشورات «الجهاديين» على العراق لأنه بات «يمثل أفضل مثال لمعاناة المسلمين على أيدي الأميركيين»! وقد أظهر منشور بعنوان «العراق الجهادي» هدفاً أساسياً للإرهابيين في أواخر عام 2003 وجاء فيه «إذا خسر الأميركيون، وهو ما نتمناه بإذن الله تعالى، ستُفتح جميع الأبواب للمد الإسلامي، وستكون لدينا قاعدة متقدمة للنهضة الإسلامية بالقرب من أرض الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى». وقد ظهرت انتهازية الكثير من النشطاء السياسيين في العالم العربي إزاء الإرهاب والتفجير والموت في العراق، فمثلاً، أجرى الصحفي «حازم أمين» في جريدة «الحياة»، سلسلة من اللقاءات في ديسمبر 2004، مع مؤيدي أبي مصعب الزرقاوي، وكتب الأمين قائلاً: «العديد من الناشطين يقولون إنهم يدعمون عمليات أبي مصعب الزرقاوي في العراق» دون غيره. (عن الحياة، 14 - 12 - 2004). والكثير من العرب والمسلمين يؤيد «داعش» اليوم بنفس الازدواجية! ما أحوال مدينة الفلوجة اليوم، 2014، بعد أن مرت بشوارعها وبيوتها أهوال «الجهاد» ورأت في عشر سنين ما لم تره في قرون؟ يقول عبدالرحمن، 49 عاماً، وهو موظف حكومي يعمل في بلدية الفلوجة: «الأحياء السكنية في أطراف المدينة دُمرت بالكامل. كنت أسكن في الحي العسكري شرقي المدينة وقبل نحو ستة أشهر نزح كل سكان الحي إلى خارج وداخل المدينة.. أما الأسعار، فلم يشهد تاريخ مدينة الفلوجة ارتفاعاً بالأسعار كالتي شهدتها وسجلتها أسعار البضائع والمواد الغذائية ومواد الوقود، وأغلب الناس يعيشون حالة فقر لعدم تسلم رواتبهم منذ شهور». ويقول أبو عبدالله، 50 عاماً، المعلم في إحدى المدارس الابتدائية، لنفس الصحيفة: «التعليم متوقف بشكل كامل. وزارة التربية العراقية ألغت الدوام في المناطق التي يسيطر عليها مسلحو تنظيم داعش. الحال لا يطاق هنا». السيدة أم أحمد، 58 عاماً، تقول: «نعيش ظروفاً قاسية جداً، بالكاد نحصل على الطعام.. أحياناً أذهب إلى السوق فأجد هناك مشاهد محزنة ومؤلمة، نساء يبحثن عن بقايا خضراوات تالفة يتركها البقال بعد الانتهاء من بيع مواده، ورأيت امرأة تجمع في كيس صغير بيضاً تعرض للكسر ورُمي قرب إحدى الأسواق التجارية الخالية أصلاً من المواد». وتضيف أم أحمد أن «معظم العوائل لم يعد لديها المال لشراء الطعام، نحن نصنع الخبز في بيوتنا.. حالتنا النفسية انهارت، القلق يعيش فينا ليل نهار، أصبحنا يائسين مستسلمين، الموت قد يداهمنا في أي لحظة». أحد وجهاء الفلوجة قال للصحيفة دون أن يذكر اسمه خشية بطش «داعش» به، إن المسلحين عزلوا معظم الأئمة والخطباء في المساجد، وفرضوا الإقامة الجبرية على البعض من علماء الدين وشيوخ العشائر، وفرضوا على الناس تطبيق قرارات أصدرتها محاكم «داعش»! ماذا عن كُتّاب آلاف المقالات التحريضية على «الجهاد» و«الأعمال البطولية» في المدينة ضد «الصليبيين» و«الكفار» و«الغزاة»؟ ربما كانوا اليوم يتمتعون في عواصمهم وبلدانهم.. بكباب الفلوجة!