بالنسبة للصين والهند، سيكون 2015 عاماً تنموياً واعداً. وخلال الأشهر الماضية، أطلق كل من الرئيس الصيني «زي جينبينج» ورئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» تعهدات بإجراء تغيرات بنيوية في البنية الاقتصادية لبلديهما، إلا أنهما لم يتحركا باتجاه تنفيذها إلا بشيء كثير من التردد. ومع هبوط سعر برميل النفط إلى ما دون 50 دولاراً، أصبحت سرعة إنجاز تلك الإصلاحات الصعبة مطلباً عاجلاً. ولم يعد أمامهما من عذر مقبول للتردد في ذلك. وفي اليابان والفليبين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند، ستساعد الأسعار المنخفضة لمصادر الطاقة على رفع المداخيل الفردية وزيادة الطلب على المساكن. ويعتقد الاقتصادي «جلين ماجوير» من «مجموعة البنوك الأسترالية والنيوزيلندية» أن هذه «الثقة المضاعفة» ستؤدي إلى تحقيق نمو يفوق ما كان متوقعاً. وكثيراً ما أدى انخفاض أسعار النفط إلى زيادة معدل النمو العالمي بنحو 1 في المئة عما هو متوقع. ويقول «ماجوير»: «نعتقد أن هذا العامل البنّاء سيدعم نمو آسيا في عام 2015 وربما في عام 2016 أيضاً». وفيما تستعد الهند في عهد «مودي» للكشف عن الميزانية العامة في شهر فبراير المقبل، يرى الاقتصادي «بيتير ريدوارد» أن انخفاض أسعار النفط سيمثل تطوراً هائلاً فيما يتعلق بالعجز الهندي الراهن في الميزانية، وإعادة التوازن إلى القطاع المالي، وكبح معدل التضخم بما سيسمح للبنك المركزي الهندي بتخفيض أسعار الفائدة. وفيما يتعلق بالتساؤل عما إذا كانت هذه الدفعة التنموية ستحمل صفة الاستدامة، يعتمد ذلك على السياسة التي ينتظر أن يتبعها «مودي» العام المقبل. وقد اتخذ قراره الحكيم بتخفيض الدعم الحكومي على زيت «الديزل» بمجرد اتجاه أسعار النفط للانخفاض. وهذا ما خفف من شعور المستهلكين بالإحباط في محطات الوقود. إلا أن هذا الإجراء لا يمثل أيضاً إلا الجزء الأسهل من المهمة. وسيكون من الصعب تخفيض الدعم الحكومي على الغاز المسال والكيروسين وهما المركبان الأكثر استعمالاً للطبخ عند الهنود. وقد بلغت الأعباء المالية الحكومية لدعم «الديزل» والغاز المسال والكيروسين 11 مليار دولار في السنة المالية السابقة. ويضاف إلى ذلك أن «مودي» سيغامر بجزء كبير من رأسماله السياسي لو فكر في إلغاء التخفيضات على أسعار الأسمدة التي تتكفل الحكومة بدفع نفقاتها. ومن دون إلغاء هذه التخفيضات، سيكون من الصعب تأمين الفائض المالي الضروري للإنفاق على تطوير قطاعات البنى التحتية والتعليم والرعاية الصحية. ولم يعد في وسع «مودي» الانتظار كثيراً لإطلاق إصلاحاته. وبالإضافة لميزة تخفيض فاتورة النفط، سيتميز عام 2015 بأجندة انتخابية حافلة في الهند، وستتهيأ ل«مودي» فرصة جيدة لتحقيق أهداف سياسية أبعد وأكثر صعوبة مثل السماح للأجانب بامتلاك النسبة الكبرى من الأصول في القطاعات الاقتصادية الأساسية. وفيما يتعلق بالصين، وعلى رغم الفواتير المنخفضة للطاقة، فهي تتوجس من أن يعيق هذا التطور نموّها. وربما يكمن هنا جزء من السبب الذي دفع الحكومة الصينية إلى الإسراع في تنفيذ 300 مشروع جديد لتطوير البنى التحتية يبلغ إجمالي تكلفتها 1,1 تريليون دولار. وكما هو الحال بالنسبة لـ «مودي»، فإن من دواعي الحكمة والتعقل أن يتجنب الرئيس «جينبينج» التفكير قصير المدى. ويضاف إلى ذلك أن انخفاض أسعار النفط يهدد مساعي الدولتين لتخفيض معدل الانبعاثات الكربونية. ويقول «ماجوير»: «لا يجوز أن يمثل النفط الرخيص عذراً مقبولاً للتراجع عن تنفيذ المشاريع المتعلقة بالطاقات البديلة ولا أن يلغي السياسات المسطرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة. ومن الواضح أن الضغوط السكانية على المدى المتوسط والبعيد ستدفع دول آسيا إلى فصل مشكلة الانبعاثات الكربونية عن النمو، وأن تنتهج مساراً واضحاً لتحقيق الكفاية الذاتية من مصادر الطاقة على المدى الأبعد». ويرى خبراء أن التكاليف المنخفضة لفاتورة النفط ستجعل من الأسهل على البنك المركزي الصيني اللجوء إلى تخفيض سعر الفائدة وتقديم مساعدات لأصحاب القروض المتعثرة. ويحتاج «جينبينج» لاستثمار هذه الظروف المالية المريحة في تطوير الشركات المملوكة للحكومة، وهو الوعد الذي سبق له أن تعهد بتنفيذه. ويقول الخبير الاقتصادي «كينيث كورتيس» إن الصين هي «الرابح الأكبر» لأن الفاتورة المنخفضة للنفط زادت من تضخم صناديقها الاحتياطية الاستراتيجية. ----------- ويليام بيسيك، خبير سياسي متخصص بالشؤون الآسيوية ينشر بترتيب خاص مع حدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»